جورج شاهين
يقرّ فريق الاقتصاديين ممن واكبوا مؤتمر «باريس ـــ 3» بأن مليارات الدولارات التي أقرها المؤتمر هبات وقروضاً ميسرة، لن تكون كافية لتوفير مقوّمات النهوض بالاقتصاد ومواجهة خدمة الدين العام وتلبية حاجات لبنان من المشاريع الإنمائية، إلا إذا توافر حل سياسي يخرج البلاد من المأزق وينهي حال عدم الاستقرار، بما يسمح بتطبيق الورقة الإصلاحية التي قدمتها الحكومة إلى المؤتمر.
ويوضح هؤلاء أن إمرار الورقة يستند إلى سلسلة من المراسيم ومشاريع القوانين، وهي «لن ترى النور ما لم نتجاوز المرحلة القائمة بكل تعقيداتها ومآزقها القانونية والدستورية، مع الاعتراف بأن البلد يعيش لحظات سياسية وأمنية خطيرة قد تودي في حال استمرارها ليس بالقروض فحسب، بل بالهبات أيضاً».
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى النتائج التي أفضت إليها المؤتمرات السابقة ولا سيما «باريس ـــ 1» الذي عُقد في شباط 2001 وأقرّ حوالى ملياري دولار للبنان لم يصل منها سوى نصف مليار دولار، و«باريس ـــ 2» الذي عقد في تشرين الثاني 2002 والذي أقرّ 4.2 مليارات دولار ولم يصل منها سوى 2.4 مليار دولار.
وفي مقابل هذه القراءة الاقتصادية لنتائج «باريس ـــ 3»، تكوّنت لدى المراقبين السياسيين قراءة مشابهة في مقوماتها ونتائجها، ومفادها أن فقدان الخيارات السياسية الواضحة للمخارج الممكنة يترك البلاد في مهب الصراعات المفتوحة، فالحوار السعودي ـــ الإيراني لم يصل بعد إلى تكوين مبادرة واضحة، وهناك حركة ناشطة باتجاه العديد من العواصم، ولعل تعيين رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان ممثلاً مقيماً له في طهران يعطي الانطباع بجدية التحرك والنية لديه في توفير الاتصال المباشر بنظيره الإيراني علي لاريجاني بانتظار نتائج زيارته إلى «عاصمته الثانية»، كما يسميها عارفوه، واشنطن، التي قصدها قبل أيام».
واذا كانت هذه الحركة تهدف الى العودة إلى مبادرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، فإن الأخير أبلغ لبنانيين التقوه قبل أيام أنه لم تتوافر لديه بعد عناصر تشجّعه على العودة إلى بيروت ما دام البحث توقّف عند النقطة الصفر التي انطلق منها عندما زار بيروت للمرة الأولى، وكان النقاش قائماً يومذاك على أولوية الحكومة أو المحكمة، وكأن كل ما حصل في بيروت لم يغير شيئاً في أولويات القادة اللبنانيين. وأضاف موسى إنه لا ينتظر جديداً من بيروت بل ينتظر أن يتبلّغ نتائج التحرك السعودي والوساطتين المصرية والإيرانية ليبني عليهما جديداً.
وفي انتظار ما ستأتي به الوساطات الدولية، يبقى أن لدى القادة الأمنيين الكثير من الشكوك في شأن الأيام المقبلة. ويؤكد مرجع أمني لـ«الأخبار» أن الوضع الأمني «بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، ما لم يحقق السياسيون خطوة مهمة في اتجاه الإنفراج السياسي، وأن المكابرة بقدرة هذا الطرف أو ذاك على الإمساك بالشارع إذا تم اللجوء اليه، ليست في محلها، ذلك أن قدرة البعض على ضبط محازبيه لا تنطبق على بقية المواطنين. عدا عن أن البلد يضم اليوم عشرات الخلايا المخابراتية السرية، ومنها تلك التي طلب منها البعض في لبنان «النجدة»، أو تلك التي استفاقت من سباتها على نار الصراع الداخلي».
وختم المرجع بالقول إنه ليس صحيحا أن الحكومة قادرة على تحمّل المزيد من الضغوط في الشارع، فيوما الثلاثاء والخميس الأسودان، أظهرا أن الدولة كانت غائبة، فلا قرار حكومياً كان موجوداً، ولا وزارات ولا قانون في ظل حال الفلتان واعتقاد البعض أن في إمكانه تحصيل ما له من حقوق بيده، ولا حضور سوى لمظهر واحد من مظاهر الدولة وهو الجيش وخلفه قوى الأمن الداخلي، اللذان كانا مهددين بالطعن في الظهر، وبإمكان تجاوز حضورهما لمصلحة قوى أخرى، استعادت وجودها السابق على الأرض، ولو لساعات قليلة.