جان عزيز
فيما كانت إحدى الصحف الأميركية تتحدث ضمن مقابلة مع أحمد فتفت، عن تركيبة سنية مسيحية لقوى الأمن، تهدف الى مواجهة شيعة “حزب الله”، كان مسؤول أمني كبير يتسقّط من معاونيه «المعلوماتيين» مواعيد تحرك المعارضة. للتعامل معه بما يحفظ الأمن الكامل للمشاركين. “لا مجال لتكرار ما حصل في 5 شباط الماضي في الأشرفية. فالجهد الذي بذل لبناء القوى الأمنية مذذاك، بدأ يثمر. إذ ارتفع عديد قوة مكافحة الشغب من 350 عنصراً في حينه الى 850، حتى بلغ اليوم مبدئياً 3200 عنصر، بعضهم لا يزال قيد التدريب والتجهيز، لكن القوّة ستكون بكليتها في حالة جهوزية تامة في غضون 6 أشهر كحد أقصى”.
مسألة رفع العديد تعيد البحث إلى الكلام الانتقادي حول الموضوع. والمسؤول نفسه يصنف غالبيته في خانة الاستهداف السياسي. لكنه يعترف بالخلل الطوائفي السابق، وهو ما دفعه الى تصحيحه لاحقاً. ويشرح أن آليات التطويع القانونية كانت ستستلزم نحو سنتين. لذلك استبدل التطويع بالتعاقد. “صحيح أن لهذا الإطار بعض السلبيات، لكن الإيجابيات أكبر. فبدل 30 ألف طلب تطوع مختلة التوازن الطائفي في شكل ساحق، انتهت آلية التعاقد الى 5876 متعاقداً ضمن قوى الأمن الداخلي، موزعة مناصفة بالتمام بين 2938 متعاقداً لكل من المسيحيين والمسلمين، و1243 متعاقداً لكل من السنة والشيعة”.
والى جانب رفع العديد كانت ثمة أولوية متزامنة في تحديث التجهيز وزيادته كمّاً ونوعاً. وتلوح مسحة من الخيبة في حديث المسؤول عن الدعم الغربي. فالمجموعة الأوروبية مثلاً قدمت بروتوكول هبة بقيمة 3 ملايين يورو، على مدى 3 سنوات. من بنودها ما يعود الى تدريبات مختلفة، محصورة بالدول المانحة، ما يجعل التقدمة زهيدة ومعقدة التحقق. والأمر نفسه تحكّم في التعاطي الأميركي. فيما التقديرات الأولية لحاجة قوى الأمن الداخلي، كانت نحو 150 مليون يورو، على مدى 3 سنوات، لإعادة بناء السلك. لذلك كان لا بد من التوجه الى الدول العربية، وأبرزها الإمارات،حيث القدرة على المنح أكبر، وآلية التنفيذ والصرف أسهل وأسرع.
ويعترف المسؤول الأمني بأن العلاقة بين الأجهزة الأمنية المختلفة، والوضعية القانونية لكل منها، شكلتا في الماضي إحدى عقبات العمل. غير أن المسألة عرفت معالجة وتذليلاً كبيرين منذ عام ونيف. ويشرح المسؤول نفسه أن التعاون القائم اليوم كبير ومنتج، من دون تنافس ولا تضارب. والنتائج واضحة. فقوى الأمن الداخلي هي من ألقت القبض على مرتكبي حادثتي الاعتداء على ثكنتين للجيش اللبناني في صيدا وبيروت. لتتابع تحقيقاتها فيهما بالتعاون مع المؤسسة العسكرية لاعتبارات سلكية معروفة. في المقابل فإن أحد أبرز زعماء مافيات سرقة السيارات، حسين علاّم، ألقت القبض عليه مخابرات الجيش وسُلّم الى قوى الأمن الداخلي.
وهذان المثلان المتقاطعان دليلان على حسن التعاون القائم من دون عقد. ويعترف المسؤول نفسه بأن ثمة ثُغراً قانونية تشوب واقع الأجهزة المختلفة. فمخابرات الجيش مثلاً حُصر عملها في الأمن العسكري بموجب اتفاق الطائف، فيما حُيّدت قوى الأمن الداخلي عن الأمن القومي الذي أنيط بجهاز أمن الدولة. غير أن التعاون الصادق اليوم يتخطى هذه الثغر، ضماناً لمصلحة المواطن.
وهل بلغ مستوى التعاون والربط بين هذه الأجهزة المستوى المطلوب؟ طبعاً لا، يجيب المسؤول الكبير. ثمة ضرورة لمكننة أكبر بكثير، ولتبادل معلومات أفعل. على سبيل المثال لقد أنجزت المديرية العامة للجمارك برنامجاً معلوماتياً خاصاً بها، لمسح كل السيارات الداخلة الى لبنان والخارجة منه، وهو برنامج «كارز»، ونجد أن أي جهاز أمني لم يستفد منه أو يستثمره، رغم دعوة الجمارك الى ذلك وترحيبها وتشجيعها. في المقابل، لا تزال حركة انتقال الأفراد عبر المعابر البرية، لحاملي الهويات، لا جوازات السفر، تسجل على بطاقات ورقية تتلف بعد 6 أشهر. هذه أمثلة عما ينتظر من تحسين وربط مطلوبين، علماً أنْ لا محاذير لهذا الأمر إطلاقاً. ففي النهاية التقارير السرية لأي جهاز تُحفظ في برامج خاصة، أما الربط المعلوماتي المطلوب فيطال «الداتا» المشتركة أساساً، والخاضعة حالياً للتبادل بموجب مراسلات خطية، تقتضي يومين أو ثلاثة، فيما يجعلها الربط الإلكتروني فورية.
يبقى السؤال: هل بدأت النتائج الفعلية لكل هذا الجهد؟ يجيب المسؤول الأمني الكبير أن الدليل الأبرز على تقدمنا، كان في محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة، مساعد رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. كاشفاً أن هذه العملية جاءت رداً من جهات معروفة، على تحقيق خرق معلوماتي هام جداً، في إطار التحيقات الجارية حول جريمة كبرى. “اكتشفوا أننا تقدمنا من اكتشافهم، فردوا بالجريمة. هرب الشخص ـــ الحلقة قبل اعتقاله، فازدادت الشكوك. وخصوصاً أن المتهم لجأ الى سوريا، حيث لم تنفع محاولات استرداده”.
هل هذا اتهام مباشر في الجريمة المقصودة؟ “المؤشرات تقودنا الى سوريا”، يقول المسؤول نفسه، “هذه حقيقة أمنية، لا علاقة للسياسة فيها”.
في هذا الوقت كانت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” تنشر ضمن حديثها مع فتفت، أن وزارة الداخلية في لبنان “استولى عليها السنة الموالون للغرب”، وأن قوى الأمن الداخلي هي القوة اللبنانية الوحيدة المسلحة المخلصة في الدفاع عن التحالف السني المكافح لإبقاء سيطرته السياسية”...
من نصدق؟ صحيفة فتفت أم المسؤول الأمني؟ سؤال تبدو الإجابة عنه وشيكة.