strong>جاد نصر الله
من جنوب المدينة وغربها، اجتاح اللون الأصفر قلب العاصمة بيروت. من شمالها وشرقها، زحف اللون البرتقالي. «أصفر، أخضر، ليموني... بدنا نسقط الحكومة». وبين طرفي المدينة، تدرّج اللون الناري شيئاً فشيئاً دون أن يسمح ذلك لمشتقاته بالامتزاج

في تظاهرة أمس، أصبح البرتقاليّ فاتحاً أكثر من ذي قبل، فيما بهتتْ حدّة الأصفر. وبين مجموعات المناصرين للحزبين الأساسيين، طافت بقع من اللون الأخضر؛ «حركة أمل» من الجنوب والضاحية، و«المردة» من الشمال. أضف إليهما مشاركة حمراء خجولة للشيوعيين اللبنانيين.
لم يُدخل الاعتصام المفتوح في يومه الأول تعديلاً جوهرياً على برنامج نسرين اليومي. أنهت دوام عملها، حملت طفلها متجهة نحو رياض الصلح انطلاقاً من شارع الحمرا. «سوف أبحث عن المردة، أريد أن أقف بينهم لأتعرف بهم». مواطنون كثر اصطفوا على جسر فؤاد شهاب مصوّبين كاميراتهم وراياتهم وهتافاتهم نحو الأسفل. أناس تنوعت معالمهم وتصرفاتهم باختلاف المناطق والبيئات الاجتماعية التي أتوا منها. على تقاطع برج الغزال، افترش أنصار الحزب البرتقالي الأرض فيما قابلهم جمهور «حزب الله» من الضفة المقابلة للجسر، على تلة السراي الحكومي. بين الضفتين، أناس يذرعون الطريق سيراً على الأقدام، كأنّهم يتنزهون. مراهقون جالوا على الدراجات النارية ملوّحين بالرايات ومطلقين الصيحات. لم تستدعِ التحية بين الموجودين معرفة مسبقة، فالـ«بونجور» من هنا قابلها «... وعليكم السلام» من هناك. والـ«مرحبا» قابلها الـ«هاي» بلكنة أجنبية غير مصطنعة.
حضر جورج بعدته الكاملة للتظاهرات. اتّشح بالبرتقالي من أخمص قدميه حتى أعلى الرأس قادماً من جبيل. هي المرة الثانية التي ينزل فيها الى الشارع جنباً الى جنب مع قواعد «حزب الله» الشيعية بعد إقرار ورقة التفاهم بين التيارين السياسيين؛ «لا أشعر بالاختلاف عنهم. على العكس، لقد اتسعت مساحة التقارب وتقلصت الفروق بيننا وبينهم». قبل عامين، كان بشير شاباً من بين آلاف المتمحسين الذين اعتصموا في الرابع عشر من آذار لإسقاط حكومة عمر كرامي، وها هو اليوم ومن الساحة المقابلة التي واجهتهم في الثامن من آذار من العام نفسه، يدعو الى إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. «الموقف لا يختلف كثيراً. الجديد، أن شعوراً حقيقياً بالوحدة الوطنية يسكنك هذه المرة». يسهب بشير «العوني» في التحدث عمّا يصفه بـ«الإحساس الأخوي» مع شريحة اجتماعية لم تسنح له فرصة التعرف إليها من قبل؛ «هناك وحدة مواقف اليوم وهي واضحة وصريحة. في حركة 14 آذار هَدَفنا الى فرط عقد الحكومة والتخلص من حكم النظام السوري، وقد استغل الجميع الفرصة تحت شعارات مختلفة، ليس أولها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن من دون أن يتفقوا فعلياً وتتلاقى قواعدهم».
نزح الناس باكراً الى ساحة الاعتصام، قبل الثالثة من بعد ظهر أمس بساعات. حضر الأفراد والعائلات وتزودوا بالحاجيات للأيام المقبلة. افترشوا الأرض وشكلوا الحلقات الدائرية. الرجال مع الأراكيل والصحف اليومية، ونقاش في السياسة لا يفضي الى نتيجة في معظم الأحيان. النساء مع البزورات واللوازم اللوجستية للاهتمام بالعائلة النازحة طوعاً إلى الوسط التجاري. الشباب مع الدربكة وورق اللعب وبطالتهم اليومية. حتى الأطفال أحضروا عرباتهم التي ملئت بالألعاب. يوحي المشهد ببساطة أن من قرر المشاركة جهّز نفسه لإقامة يبدو أنها ستطول.
على طرف حديقة جبران خليل جبران، اتخذ بعض الشبان حيّزاً لهم للصلاة وسط ضجيج المكان، أثار وجود الفتاة «غير المحتشمة» في وجههم موجة من المزاح وضحك بعض الموجودين، وفتح نقاشاً حول قدرتهم على التركيز على الصلاة بحضور هذا «الإغراء». يقارن سامر القادم من الضاحية الجنوبية معركة إسقاط الحكومة بالحرب الأخيرة على لبنان؛ «صمد المقاومون أكثر من شهر ضد أكبر ترسانة عسكرية، فهل يتوقعون أنّ صَبرنا سيكون أقل». يقاطعه شاب يستمع إلى حديثه بالقول إن «أكلاف هذه الحرب ستكون أقل، بالاضافة الى أن كمية السلاح الذي في حوزتنا أكبر، فهذه المرة نحن المسيحيين نشارك في ساحة القتال».