strong>نادر فوز
الساعة التاسعة صباحاً، حركة السير عند محلّتي بشارة الخوري والسوديكو خفيفة جداً على غير العادة، وكذلك الأمر عند كل الطرق المؤدية إلى ساحة الشهداء. إنّها مجرّد ساعات قليلة قبل أن ترتدي بيروت حلّة جديدة، وربّما أيضاً... حكومة جديدة

انتشر شباب «الانضباط» منذ ساعات الصباح الباكر في هذه الساحات، بينما كان عناصر تنظيم الاعتصام المفتوح، التابعون للتيار الوطني الحر وحزب الله، منهمكين بتركيب الخيم والمنصّات والتجهيزات الصوتيّة وغيرها من التحضيرات اللازمة لإسقاط «حكومة فيلتمان». بدا القسم الأعلى من «ساحة الأرز»، أي كل الساحة ما عدا المنطقة الممتدة من «الضريح» حتى مبنى الزميلة «النهار» حيث ممنوع تظاهر قوى المعارضة، ورشة بناء فعلية. ولم يتعرّض المنظمون لأية مضايقات من رجال الأمن، بحسب ما أفاد أحد مسؤولي «التيار».
ساحة رياض الصلح كانت أشبه بثكنة عسكرية بعدما قام عناصر من فوج مغاوير الجيش بتسييج مدخل السرايا الحكومية، متمركزين وراء آلياتهم المزوّدة بالمضادات الأرضية. وكان لشبان التنظيم و«الانضباط» حصّة في إضفاء جو الاستنفار هذا، بانهماك الأوائل في تشييد الخيم «الزيتية» وبث الأناشيد الوطنية وانتشار الآخرين على «خطوط التماس» مع القوى الأمنية.
عند الساعة العاشرة صباحاً، بدأ المشاركون بالوصول إلى ساحة الاعتصام «الثانية»، بالقرب من مقرّ الرئيس السنيورة.
«الفان» الأول من قرية البزالية البقاعية. احتشد عدد من المعتصمين أمام السلك الشائك وبدأوا بترداد شعاراتهم «يا سنيورة نزال نزال هيدي الكرسي بدها رجال»، «زوم إن زوم أوت... يا سنيورة طلاع أوت»، «الله نصر الله... وبعلبك كلها»، وغيرها من الهتافات. الحاجّة فاطمة وصلت من منطقة الجناح عند الساعة التاسعة والنصف كي «تحجز مكاناً جيداً قبل وصول الآخرين»، وهي لا تأبه للانتظار ساعات طويلة «فالمهم إسقاط الحكومة». جهاد وأربعة من أصدقائه أبكروا أيضاً بالنزول إلى ساحتي الاعتصام، علّهم يساعدون المنظّمين في التحضيرات، أو يكتفون بمشاهدتها. وبينما كانت باصات نقل المشاركين تزداد حركتها، كان أحد المواطنين بثيابه الأنيقة يتنقّل من «رياض الصلح» إلى «الشهداء»؛ «كنت أحاول تخليص بعض الأوراق بالشركة»، قال بعد أن أطلق بعض الكلمات البذيئة في حق القوى المعارضة على اعتبار أنّ تحركهم أخّر معاملته إلى نهار الاثنين.
أقفلت معظم مداخل «الساعة» على امتداد الشارع بين ساحتي التجمّع بواسطة حواجز، فيما اكتفى عناصر من الجيش بالوقوف خلفها. أما الطريق إلى مدخل «الضريح» و«خيمة الحرية»، فبدت كأنها قرية أرنون الجنوبية المحاصرة بالأسلاك الشائكة. وخلفها، تمركز «المغاوير» الذين اكتفوا بالمحافظة على سلامة تلك المنطقة من دون التعرّض لأي معتصم، مانعين المواطنين جميعاً من الدخول إلى الساحة خوفاً من إشكالات لاحقة.
أما على مدخل شارع الجمّيزة، فجلست بعض السيدات في مقهى «بول». انزعجن كثيراً من «أمريكا رأس الأفعى» التي وصلت أصداؤها حتى مقهاهم، وأزعجتهم دعوة القوى المنظمة إلى الالتزام برفع الـ«درابو ليباني» (أي العلم اللبناني). تناقشن في الوضع العام والتأثير السلبي لاعتصام أمس في الحياة في لبنان، وخاصةً الوضع الاقتصادي. أما في ساحة الشهداء، فكانت أفواج المشاركين قد بدأت بالوصول بشعاراتها الموقعة باسم «نحن».
إسقاط الحكومة عنى للعديد من المشاركين موتها، فقاموا برفع نعش مغطى باللون الأسود كتبوا عليه «نعش الحكومة». وأبوا أن يوفّروا خيانة «وزير الوكالة»، فألصقوا شعاراً آخر على النعش، «استراحة ثكنة مرجعيون»، وزيّنوه بكؤوس من الشاي.