الجنوب ــ الأخبار
طغت المشاركة الجنوبية في التظاهرات على كافة مظاهر الحياة اليومية في غالبية القرى والبلدات الجنوبية، واستقطبت مراكز الأحزاب منذ ساعات الصباح أعداد المشاركين الذين رفعوا أعلاماً لبنانية ويافطات، طالبت بعضها بضرورة قيام حكومة وحدة وطنية.
وأفاد مراسل «الأخبار» عساف أبو رحال أنّ قرى مرجعيون شهدت زحفاً بشرياً ضم بضعة آلاف، كباراً وصغاراً، أقلّتهم حافلات سياحية سلكت طريق الجنوب نحو العاصمة بيروت. وفي منطقة العرقوب، كانت نقطة سوق الخان محطة جمعت الوافدين من هذه القرى انضمّت اليها وفود أخرى قادمة من قرى حاصبيا. في حين سلكت مجموعات ثانية طريق المصنع ــ البقاع خوفاً من زحمة سير قد تشهدها طرقات الجنوب.
ولم تقتصر المشاركة على الدعوات الحزبية، بل تعدّتها لتشمل شريحة واسعة من المزارعين الذين أوقفوا نشاطهم اليومي، وأرادوا المشاركة وتلبية النداء ليقينهم أن التغيير ضرورة ملحّة من شأنها تغيير الواقع الجنوبي المرير الذي يعانيه القطاع الزراعي وباقي القطاعات.
ومن صور، أفادت مراسلتنا أمال خليل أنّه مثلما تكثفت تحضيرات المشاركة في الاعتصام المفتوح منذ مساء الخميس، كذلك تكثّف وجود الجيش اللبناني الذي أقام حواجز ونقاط تواجد في مختلف القرى الجنوبية. وبعد أن أتمّ المشاركون في القرى شراء الأعلام وتعليقها على الباصات ولصق اليافطات عليها، انطلقت مئات الباصات تقلّ آلافاً من جماهير الأصفر والأخضر والليموني الذين يريدون إسقاط الحكومة، وهي المرة الأولى التي يصرّ فيها الجنوبيون على عدم العودة إلى جنوبهم بعد انتهاء تحركهم. فهؤلاء لهم ثأر خاص مع هذه الحكومة بالذات بعد سلوكها تجاههم خلال العدوان وبعده. وهم مستعدون للبقاء في العراء أياماً حتى إسقاطها، ولا سيما أنهم معتادون على ذلك. لذا، حمل الكثير منهم أغطية ولوازم تكفيه لأيام.
وأفاد مراسلنا داني الأمين أنّ أهالي قرى وبلدات بنت جبيل الذين واجهوا العدوان الإسرائيلي بأبشع حالاته، لبّوا النداء وتجمعوا صباحاً في الساحات العامة ملتزمين بحمل العلم اللبناني وحيداً، رافضين الصمت والظلم والإهمال الذي يتعرّضـــون له كل يوم، قبل الحرب وأثناءها وبعدها.
فالمشهد معبّر ويؤكد الرغبة بالتغيير. بيوت ومؤسسات ومكاتب وعيادات مهدّمة لم يُعمل على بنائها بعد، وصور الشهداء المنتشرة في كل حي تعبّر عن فظاعة الحرب. والجميع ذاهبون الى ساحة الاعتصام يبحثون عن حياة جديدة وحكومة تبني وترأف بحالهم. وأقفلت المدارس جميعها، ولم يذهب أكثر من 1400 طالب في مهنيات بنت جبيل الرسمية إلى مدارسهم، وكذلك الأمر في المدارس الخاصة التي لا تقفل أبوابها أيام الجمعة.
وتقدّم عيتا الشعب أنموذجاً معبّراً، فهي البلدة التي لم تخلُ من المواطنين أثناء الحرب، ها هي اليوم خالية إلّا من العجّز والأطفال. فالجميع لبّوا نداء السيّد. الحاج محمد طحيني (80 سنة) يمشي وحيداً بين الركام، ويقول: «يجب أن تستقيل الحكومة التي لم تساعدنا وقت الحرب، ولم ترسل أحداً من وزرائها ليرى ما جرى في عيتا الشعب بعد الحرب». أما الحاج حسين علي ناصر فيقول: «تركوا أبناءنا يقتلون وتخلّوا عن مساعدتنا، فلن نسكت بعد اليوم عن حقوقنا، وكرامتنا ستبقى مصونة في وجه من يريد إذلالنا».
وقرب أحد المنازل المهدّمة، تجد الشاب عباس الحاج يوسف يحمل «عكّازه» بعد أن قطعت رجله، ويقول «لم يبقَ أحد في البلدة. فعندما يطلب السيد حسن الكل يستجيب، ويجب أن تسقط الحكومة لكي تعمّر منازلنا ويتم إصلاح الهاتف والكهرباء، فالإنسان عند هذه الحكومة كالحيوان المشرّد».