هل نجح تحرك المعارضة في يومه الاول في شل البلاد، سياسة وقضاءً ومؤسسات اقتصادية، في جزء من لعبة عض الأصابع مع الموالاة؟ لم تكن السلطة القضائية بمنأى عن التأثير، فالشلل أصابها قبل الساعة الصفر
أرخت التظاهرات والاعتصامات الحاشدة والمفتوحة، التي بدأتها قوى المعارضة أمس، بظلالها على عمل المرافق العامة والخاصة على اختلافها. ومهما قيل عن تحييد القضاء عن السياسة والتسييس، فإن مؤسسة العدالة ليست جزيرة بعيدة عن الواقع اللبناني. بل على عكس ذلك، فإنها تتأثر الى حدّ كبير بكل التطورات السياسية، شأنها في ذلك شأن مؤسسات الدولة الأخرى. وبالتالي، فقد بدت المؤسسة القضائية، منذ صباح امس في حالة شلل شبه تام، علماً بأن ساعة الصفر لانطلاق التظاهرات كانت عند الثالثة من بعد الظهر.
وإذا كان القيمون على شأن السلطة القضائية، من مجلس القضاء الاعلى ووزارة العدل، يحرصون دوماً على عدم تسييس القضاة وإبعادهم عن الصراعات السياسية لضمان نزاهة القضاء، وحسن سيره، إلا انهم يعجزون عن صد هجوم السياسة على أروقة القضاء. وتبدو هذه الهجمة واضحة، لا سيما بين الموظفين. ولم يكن خافياً على احد أن غالبيتهم كانوا يستعدّون، منذ ايام، للمشاركة في التظاهرات فور تحديد موعدها. وترجمة لتلك الاستعدادات، فإن عدداً لا بأس به من الموظفين حرص على ممارسة العادة اللبنانية المتمثلة بـ«إثبات الوجود» في العمل فقط، أوقات التظاهرات والتحركات الشعبية. فقد حضروا الى مراكز عملهم في قصور عدل بيروت وبعبدا والجديدة لساعتين على الأكثر. ثم عمدوا إلى إقفال مكاتبهم للالتحاق بالجموع التي كانت تحتشد في أماكن التجمع التي أعلن عنها سابقاً، تأهباً للانطلاق الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح.
وبالطبع، فإن حالة التعطيل والشلل التي أصابت عمل القضاء امس، لم يكن سببها الوحيد تغيب الموظفين او مغادرة بعضهم مراكز العمل في ساعة مبكرة فحسب، بل هناك جانب آخر وأساسي مرتبط بالمحامين الذين قاطع السواد الاعظم منهم الجلسات «تلبية لنداء الواجب».
وكان المحامون المحسوبون على قوى المعارضة وأحزابها، بالإضافة إلى بعض المحامين المستقلين، قد سارعوا الى عقد لقاءات تنسيقية اول من امس، فور تحديد موعد التحرك. وقد وضعوا خلال اجتماعاتهم خطط التجمع والانطلاق الى موقع الاعتصام، بثوب المحاماة، تعبيراً عن رفض هذه النخبة من اهل القانون لما سمّاه بعضهم «أساليب الاستئثار بالسلطة وتهميش شرائح واسعة وإبعادها عن المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات الحاسمة والمفصلية».
وانطلاقاً مما تقدم، وبغضّ النظر عن تسييس القضاء وموظفيه، بالاضافة إلى «جناح العدالة الثاني»، أي المحاماة، فإن معظم جلسات المحاكمات والتحقيق، التي كانت مقررة امس، ارجئ الى مواعيد لاحقة. وبالتأكيد، فإن الشلل القضائي، الذي ساد امس، سينسحب على اليوم وقد يمتد الى الاسبوع المقبل وما بعده. فهل يمكن اعتبار تعطيل مرفق العدالة مؤشراً لما سيكون عليه الشلل في البلاد في الايام المقبلة؟ وهل تكون السلطة القضائية عاملاً ضاغطاً على رئيس الحكومة وأعضائها المتحصنين في السرايا؟