رزان يحيى
في اليوم الثاني من الاعتصام المفتوح في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، جلست رشا وحوراء وتمارا وفادي وإيلي أرضاً. دخان النراجيل الثلاث يتصاعد. بزر صغير. وضحكات ارتفعت على نكات لم تميز بين رئيس الحكومة ووزيري الداخلية الوكيل والأصيل. دردشات تنوعت بين مواضيع اجتماعية ودينية «ما الفرق بين السنّة والشيعة؟». تنوعت الأحاديث، لكنها لم تتطرق إلى السياسة، فهي الجامع الوحيد لكل من وجد في ساحتين.
لم تكن تلك الصورة الوحيدة، فقابلتها أخرى لأمّ تلقّن أولادها شعارات وأسباب وجودهم في الاعتصام. أما روان الآتية من خيم رياض الصلح، فتوجهت صوب الخيم البرتقالية بكامل أناقتها، محاولة التعرّف على شاب من الحلفاء.
يحاول المشهد الأول أن يعكس تنوع ساحة المعارضة. فتأتي الخيم لتصور مشهداً يعكس انقسامها بين الزعماء والأحزاب. فالعلم اللبناني الذي طغى أمس الأول خلال التظاهرة غاب، لتحلّ مكانه مجموعة من الأعلام الحزبية المعارضة التي رفعت على «المقاطعات» المختلفة.
بداية، تبدو ساحة الشهداء مقاطعة صغيرة لحركة الشعب، تليها أخرى كبيرة للتيار الوطني الحر، ثم تيار المردة الذي سيّج مقاطعته بصور «سليمان بيك». كما سيّج الحزب الديموقراطي اللبناني مقاطعته بصور «المير» طلال إرسلان. وبعده، يأتي دور الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي استذكر ماضيه المقاوم، فرفع شعار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية إلى جانب «الزوبعة».
لكنّ توزيع الخيم لم يحل دون اختلاط الشباب معاً. أحد أنصار التيار الوطني الحر إيلي يمّين، لم يرَ مشكلة في التوزيع لأن المعتصمين يستخدمون الخيم للنوم فقط، أما بقية اليوم فالمحبّذ والمطلوب التجول والتّعرف على «الرفاق» من الأحزاب الأخرى المشاركة في الاعتصام المفتوح. ويؤكد يمّين أن الشباب اللبناني سيندمجون معاً لأن الهمّ واحد للجميع، علماً بأن إدارة الاختلافات في نمط الحياة اليومية للمعتصمين لا تبدو واضحةً حتى الآن. فـ«جمع البنات والشباب في خيمة واحدة ووجود القليل من الخمر» الذي قد لا يشكل مشكلة لإيلي، يراه جواد، أحد الشباب المؤيدين لحزب الله، «حراماً».
في الساحتين اليوم، كما كل الأيام، لا يتواجد فقط من يبيت ليلته هناك. فمايا سلمان، الجنوبية الأصل، تقول إنها نزلت بالأمس إلى التظاهرة لأنها مقتنعة بطرح المعارضة وهي ستتواجد كل يوم في ساحة الشهداء لأنها التقت أصدقاء تعرّفت عليهم خلال حرب تموز عندما تهجّرت إلى بعبدات. وتؤكّد مايا أنّ السياسة لا تهمّها، لكن «المعارضة دخلت رأسها». شربل، أحد أصدقاء مايا، «مبسوط» لأنه يتعرف على عادات وتقاليد لم يألفها سابقاً لأنه «جايي من المتن». واستغرب شربل أن صديقة مايا المحجّبة لم تسلّم عليه، علماً بأنّ الاثنتين «شيعة»... بس «ok ca va».
يعود الجميع إلى الساحة للتصفيق وإطلاق الشعارات الموحّدة. تنتهي الخطابات... ويستعدّ المعتصمون ليوم آخر.