فداء عيتاني
كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يطالب أحد أعضاء المعارضة من السنة بتكثيف تحرك الشارع السني داخل القوى المعتصمة في الساحات حين أطلت على شاشة تلفزيون «المنار» صورة أحد القادة الناصريين الفرعيين الشباب، ملقياً خطاباً مطولاً من على منبر «نحن»، فلم يتمالك رئيس المجلس نفسه من إطلاق تهكم مر وحاد، إذ إن بري الذي يدرك تشعب الامور، يعرف أن الضغط السعودي والعربي على المعارضة لا بد من أن يواجه بقوى سنية فاعلة.
بري يعلم، ولا يعلن، إلا في دوائر مغلقة، أن السعودية التي طلبت من سفيرها في بيروت عبد العزيز الخوجة «إبقاء الخطوط إيجابية مع كل الاطراف» قررت القيام بالعكس تماماً. وهو يعلم أنه لا بد من استقبال الوفد العربي الذي يرأسه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، بما يتناسب من إيجابية، وإن كانت مهمة الوفد تنحصر، على ما يبدو، في مزيد من الضغط على المعارضة، وخصوصاً بعد كلام الرئيس المصري حسني مبارك، كما يعرف رئيس المجلس أنه كان من المقرر في اليوم الأول لإطلاق التحرك أن تلقى ثلاث كلمات إحداها للداعية فتحي يكن الذي تفهّم أن تكون الكلمة المركزية للعماد ميشال عون، ثم تلتها كلمة للنائب علي حسن خليل. ولكن أن يمر اليوم الثاني من الاعتصام ولا يرتفع صوت من بيروت بمختلف تنوعها الطائفي فهو امر مستغرب.
من يمثل السنة ومن يرتفع الى مستوى تمثيلهم في عاصمتهم؟
اليوم تقف القوى الناصرية الى جانب القوى الاسلامية والقوى القومية وبعض اليساريين من دون التمكن من الاجتماع على خطاب الحد الأدنى، ثمة من يقول إن ضغطاً سعودياً أدى الى انفكاك بعض القوى عن التحالف السني الذي كان يفترض ان يلتئم اليوم، والذي انفك قبل أن ينعقد، لكن الضغط السعودي ليس هو ما يؤدي الى انسحاب قوى بعد أن تكتشف أن ما يقدم لها ليس اكثر من جزء من كل، كما ان أطرافاً صاحبة صدقية ترفض ان تقود حركة سنية بعدما بقيت طوال حياتها السياسية تمارس الزعامة الوطنية.
تندهش قوى المعارضة من حجم المشاركة التي حصدتها في اليوم الأول في الشارع السني، لكنها على رغم ذلك لا ترضى بالتنازل لمصلحة المحافظة على ما جنته واكتساب المزيد من التأييد في الشارع.
اطراف اخرى دفعت الغالي والرخيص في سبيل حشد التأييد السني لمصلحة المعارضة. كانت هذه القوى تقرأ في كتاب نتائج الانتخابات النيابية لعام 2005 حيث توضح الأرقام تأييد السنة في بعض المناطق للمعارضة بنسب تصل الى 35 في المئة من الناخبين، إلا أن هذا النجاح يتعرض كل يوم للاهتزاز، يصرخ احد القادة الميدانيين، وهو الذي امضى أعواماً في مكافحة الانحياز السني الى طرف واحد «يجب أن يتوقف تلفزيون المنار عن شتم فؤاد السنيورة، هذه دعاية مضادة تفيد الطرف الآخر».
يبدو سكان قصر قريطم وأطراف الأكثرية على شيء من الراحة، الدعم العربي واستنفار الشارع السني ومسيرات التأييد السيارة وحركة ديبلوماسية تدعم هذا القصر، ومن هذا القصر يمكن النظر (مجازياً) الى التحرك في شارع المعارضة، تعبئة السنة تتم وفق أسلوب لا يقل مباشرة عما تحاوله “المنار”، والنتيجة تعبئة مذهبية وشبان يتجمّعون على المفارق مستعدين لافتعال مشكلات ليلية ونهارية في الزواريب بعد طول احتقان. وإذ تواجه قوى المعارضة معضلة في شعار التعبئة وخاصة مع الاطراف السنية، فإن قصر قريطم يجمع مؤيديه بكلمة واحدة «المحكمة» بصرف النظر عن الملاحظات.
على رغم ذلك تسجل ساحة الاعتصام حضوراً كبيراً للقوى الناصرية والقومية العربية والاسلامية السنية، يعملون عكس التيار، يقاتلون للحصول على خيمة هنا أو هناك، ولا يكفّون عن طرح الافكار لمصلحة تجميع القوى، خيمة اخرى يريدون إطلاقها لأصحاب الحقوق في الوسط التجاري لمدينة بيروت، ومعرض صور عن عملية الاستيلاء على مقبرة السنطية. جهد كبير يبذل لإيصال صورة اخرى عن بيروت، بعد 30 سنة من تهميش قياداتها.