غسان سعود
أصابع مؤيدي حزب الله التي اعتادت الانقباض حول الكف لتتحرك وفقاً لنبرات الصوت التي تردد عبارات جاهزة، انفرجت أمس لترسم شارة التيار الوطني، وتلوّح واعدة بالنصر. بدا مؤيدو الحزب أكثر اندماجاً مع جماهير لا يعرفون شيئاً عنها أو عن تقاليدها.
الكل كان ينتظر «سليمان بك». يتناوب أمين سر التيار أنطوان مخيبر ومنسقه العام بيار رفول على مخاطبة المحتشدين في ساحة الحرية. يستعيدون مواقف قديمة للرئيسين فرنجية وميشال عون. عبارات لم يسمع بها سابقاً جزء كبير من الجمهور، منها «ويلٌ لأمة تضحّي بشبابها من أجل شيبها»، و«مش ممكن نحرّر وطن بشعب خوّيف وذليل»، و«القذيفة تهدّ منزلاً، الخيانة تهدم وطناً». رددها الخطباء مراراً، وبعدها، كان الجمهور يقولها بطلاقة.
يطلب المنظمون من الحاضرين التزام رفع العلم اللبناني فقط، يستجيب البعض لدقائق معدودة، ثم تعود الأعلام الحزبية لترتفع. تقترب الساعة من الثالثة ظهراً، يزداد التدافع، فالكل يريد أن يرى «أبو طوني» و«بطرك المقاومة». يخرق الهتافات المتعددة صوت الفنانة جوليا بطرس: «أحبائي». يسكت الحاضرون. يعيدون تنظيم أنفاسهم ويرددون خلفها «بكم سنغير الدنيا، ويسمع صوتنا القدر. بكم نمضي وننتصر». بعدها مباشرة، لا بد من تحية الى «سيد المقاومة»، الذي ما زال يحظى بصرخات مميزة وبحماسة لا تضاهى.
تتقدم إحدى السيدات، ترتب حجابها، ثم ترفع ابنها لتضعه على كتفيها، وبدوره يرفع علم حزب الله عالياً. في نقطة يقول لأمه إنها الأعلى في الساحة، ويكمل: «والدي قال إن علم الحزب يجب أن يظل في القمة». فيما خاط «المرديون» إطاراً أخضر للعلم اللبناني لتجنب السجال مع عناصر الانضباط بشأن رفع الأعلام الحزبية. يكشف أحد الخطباء أن المعارضة فازت بنقابة طب الأسنان. يهتف كثيرون فرحين. تعلو أغنية «راجع يتعمر لبنان»، فتهتز الساحة، وترتسم بسرعة حلقات الدبكة رغم ضيق المكان الذي لم يمنع بعض «الحركيين» من البقاء مسترخين في جلساتهم حول النراجيل، وبحسبهم فإن الآخرين من تعدوا على جلستهم ولن يتحركوا من مكانهم.
يقترب موعد كلمة فرنجية، صوره في كل مكان. سيدات متقدمات في السن يحملن صورة سليمان طوني فرنجية يوم كان في الخامسة والعشرين تقريباً، ويرددن «يا رافع للعز جبين، واسع إلنا الميدان. يا بو طوني جايين، نهر رجال وفرسان». تسأل إحداهن عن «ابن طوني فرنجية» فلا تجد سوى مطلع أغنية لتجيب قائلة «كبير بيبقى كبير، روحي بترخص كرمالو».
هنا المردة، أكثر من ألفي زغرتاوي اجتمعوا في ساحة ضيقة. هنا اللهجة الزغرتاوية طاغية، والكلام يبدأ بـ «مردة مردة يا لبنان. والتاريخ بيعرفنا»، وينتهي بـ «لبنان ما هو لهم لبنان لأبو طوني». يطل «أبو طوني» فتعلو الهتافات والأغاني الشمالية، وتصرخ السيدة التي لم تملّ من الرقص فوق الكرسي: «طلّ عمود النصارى».