strong>بيسان طي
“إنه شعب يمتهن الفرح”، راحت تقول ميريام الهولندية وهي تجول مساء أول من أمس في وسط بيروت بين المعتصمين. وقد وصلت إلى العاصمة اللبنانية لتشهد على فشل “الانقلاب” الذي تعدّ له المعارضة وفق ما تقوله محطة “سي إن إن” الأميركية.
تخيلت ميريام مشاهد متنوعة لأناس غاضبين يريدون أن يستولوا على السلطة فرأت عشرات الآلاف من الشباب والشابات يرقصون فرحاً. رأت حلقات الدبكة تعقد هنا وهناك، وسمعت موسيقى “الدربكّة” والطبلة تصدح في كل مكان متناغمة مع أصوات الهاتفين الذين يقولون كلاماً لا تفهمه الفتاة الهولندية، ولكنها اعتبرته “شعارات ضد الحكومة تُقال وفق جمل موسيقية”.
لا شيء في الاعتصام يشبه الصورة الموحشة التي تبثّها وسائل إعلام السلطة والإعلام الغربي، لا شيء يشبه “صورة الموت” التي تخيلتها ميريام وهي تتنقل بين “سي إن إن” و“آر تي” و“إن بي سي” وغيرها، فهذه المحطات تقول إن في وسط بيروت آلافاً (فقط!) يريدون قتل الاستقلال الثاني الذي تحقق على يد مؤيدي الحكومة.
في الأمتار القليلة التي تفصل بين ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء تقوم عدة حلقات دبكة، في واحدة منها يعزف ضارب الطبل لحناً حماسياً ويغني مع المتحلقين حوله “سمرة واني الحاصودي”، وفي حلقة ثانية تتشابك أيدي شابات وشبان على رؤوسهم “فولارات” بالأصفر والأخضر والبرتقالي والأحمر، يرقصون على نغم أغنيات “زيّنو الساحة” و“طلعنا على الضو” و“رح نبقى هون مهما العالم قالوا” المنبعثة من مكبر صوت، أما في الحلقات الثالثة والرابعة والخامسة وغيرها فالأغاني “يسارية” ملتزمة والمعتصمون يرقصون الدبكة على وقع الشعارات المطالبة برحيل الحكومة.
قرب خيمة لتيار المردة تُبثّ أغنية تحية للوزير السابق سليمان فرنجية وتقف سيدة خمسينية تلوّح بعلم المردة فوق رؤوس المحتفلين. وفي خيمة حركة الشعب كانت نقطة الجذب ذلك المساء، في مكان هو الأقرب إلى كنيسة الأرمن احتضن وسام حمادة عوده الذي ردّد مع الحاضرين أغاني مارسيل خليفة وجوليا وسمير شقير وسيد درويش.
“إنها صورة الحياة” استنتجت ميريام أو “ربما صورة الانتصار لإرادة الحياة”، لذلك لا عجب من أن يقام حفل زفاف في الاعتصام وأن تحمل العروس العلم اللبناني بدل باقة الورود.
“الأفراح” لا تنتهي، والرقص والدبكة والنقر على الدربكّة متواصلة، والحلقات تنعقد فجأة فتتوزع هنا وهناك بين الخيم المنصوبة في وسط الطرق، التي تزيد على خمسين. كان يندر أن يمر المرء بحلقة من المعتصمين من دون أن يشهد شكلاً من أشكال الاحتفال. على أي حال لقد حضرت إلى مكان الاعتصام “أكسسوارات” التجمعات من لافتات ومكبرات صوت وبالونات، وحضر أيضاً بائعو الحلويات، فتوزع بعضهم بين آلاف المعتصمين الذين آثروا التنقل بين الساحتين والسير “في منطقة الاعتصام للتعرف بكل المجموعات الموجودة”. وعلى جنبات الطرق وبين الخيم كانت “النارجيلة” هي السيدة المطلقة.
كانت السرايا الحكومية مرتفعة بأناقتها التاريخية تسطع فيها الأنوار، داخل غرفها يقيم الحكام، لا أحد يعرف كيف يمضون لياليهم “لكن المعتصمين متأكدون من أن غناءهم اخترق السياج والجدران والباطون “المنيع” وأن عيونهم استرقت النظر إلى الساحات من الشرفات وتابعت فرح المعتصمين المعتزين بما يقومون به”، قال طوني شقرا.
التجوال بين المعتصمين ليلاً يجعل المرء يتأكد أن هؤلاء لن يملوا الاعتصام، وخاصة أنهم يرددون أنهم فرحون لتمكّنهم أخيراً من التعبير عن رأيهم، ويشددون على إيمانهم بأن تحقق مطالبهم كبير لأنهم “ينتمون إلى تحالف تمكن بعض شبانه من تحطيم أسطورة جيش إسرائيل”، كانوا يقولون بثقة كبيرة.