غسان سعود
وفي اليوم الثالث، كان عيد القديسة بربارة. فحضرت القطايف والعوّامات وغابت الحناجر الصارخة. وبدا مخيم المعارضة في الصباح، شبه فارغ من ناسه، مقارنة بالأيام الأخرى. غادر طلاب الجامعات إلى كلياتهم. والشبان إلى أعمالهم، وكثيرون عادوا إلى منازلهم للاستحمام والارتياح والحصول على حصة «نوم حقيقي».ومع الأخذ بعين الاعتبار مشاعر المشاركين التي طغى عليها الحزن، استطاع المشهد الذي أعاد تكوين نفسه جماهيرياً منذ الساعة الرابعة عصراً أن يقدم جديداً يضاف إلى الحفل الفني. على سبيل المثال، أطلَّ النائب نجاح واكيم عبر صورة ضخمة على ساحة الشهداء، للمرة الأولى ربما. فيما أعادت آليات الجيش ترتيب وضعياتها، وبدا مشهد الدبابات التي توجّه فوهاتها إلى المعتصمين غريباً، إضافة لوجود «مضادات» لقمع المعتصمين إذا أخلّوا بالقوانين.
من جهة أخرى، أعيد ترتيب الخيم التي نصبت أمام مدخل السرايا الجنوبي مباشرة، وحُضّرت بطريقة لا تتأثر فيها بالأمطار أو بدفع المياه الخارج من خراطيم الدفاع المدني. ورفعت عن الأرض، بحيث تمر المياه من تحتها دون أن تتأثر بشيء. وكان البعض يتناقل معلومات عن حضور «جبّالة» لصب أرضية تحمي المشاركين من الأمطار التي، وبحسب المنظمين، لن تؤثر على المشاركين، وصلوات الفريق الحاكم لن تجدي نفعاً في هذا السياق.
وبينما كان العونيون يستجيبون لتمني قائدهم في نزع صوره من الأماكن العامة، عمل الإرسلانيون على تثبيت لافتات قبالة خيامهم، جاء فيها: «الشورى سيدة الأحكام، والتفرد سيِّد التحكم»، «حرسنا الوطن منذ القدم ولم نركع إلا لتقبيل العلم». فيما كُتب على حائط مجاور: «ما بيحكم جبل لبنان إلا عون وأرسلان».
وهكذا يتابع أهل المخيم حياتهم. نجد صحفاً كثيرة، والبعض يتذمر من عدم وجود «كلمات متقاطعة» في صحيفة اشتراها لهذا السبب. نجد نراجيل، وباتت تؤمن «دليفيري» إلى الخيمة المطلوبة. نجد بطاطا مقلية وفلافل وطاووق مع ثوم بألفين ليرة ومن دونه بألف وخمسمئة ليرة. نجد تهامساً بين البعض «الحركة أصحاب أصحابنا أو أخوات أخواتنا». والحركيون، الذين يثيرون انقساماً حولهم بفعل سلوكهم يجدون دوماً رديّات جديدة، كان آخرها أمس «بنرفض نحنا نموت وبري لح يبقى». نجد علماً حزبياً جديداً يضم رسم حزب الله وشعار التيار الوطني الحر يقول حاملوه إنّهم يوالون الفريقين من دون تمييز. وبات من الضروري إيجاد شعار جامع لهما. ونجد أيضاً في المخيم بعد ثلاثة أيام، أن صور الشهيدين بيار الجميل ورفيق الحريري ما زالت على حالها ولم تُخدش حتى. كما نجد أن عناصر الانضباط تحوّط جامع الأمين لحمايته من المندسين إذا قرروا افتعال شغب.
الصاج لا يتّسع إلى أكثر من عشرين قطعة قطايف، والجمهور كبير. ترتبك النسوة القادمات من عجلتون مع التيار، وقبل أن يزداد إحراجهن، تطل مجموعة من نساء المردة أحضرن معهن عشرات الكيلوغرامات من القطايف، من الشمال. والوعد غداً، أكثر من عشرين شجرة ميلاد ومغارة. هنا ساحة الشهداء. المعتصمون باقون، والأعياد على الأبواب.