طارق ترشيشي
كان متوقّعاً أن يتحرك الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في اتجاه لبنان في ضوء بلوغ النزاع الداخلي الدائر مرحلة الحسم بين الأكثرية الحاكمة المهتزة، والمعارضة التي استعادت زمام المبادرة بنزولها الى الشارع، ولم تعد في وارد التراجع عن تحقيق الأهداف التي رسمتها لتحركها وعلى رأسها إسقاط الحكومة «المغتصبة للسلطة والدستور».
لكنّ موسى اكتشف لدى وصوله أن «روما من فوق غير روما من تحت»، وأن ما تسوّقه الاكثرية الحاكمة عربياً فيه كثير من المبالغات وأن المشكلة ليست نزاعاً مذهبياً أو طائفياً. كذلك اكتشف أن المعالجة المطلوبة للأزمة، تفوق قدرة الجامعة العربية ما دامت تتطلب حداً أدنى من التوافق العربي بما يفرض على الأكثرية الانصياع الى منطق التوافق الذي تنتهجه المعارضة عبر طرحها تأليف حكومة وحدة وطنية تتشارك فيها معها سلطة القرار الوطني . ونقل بعض الذين التقوا موسى عنه إنه جاء الى بيروت بذهنية السعي الى إيجاد تسوية يكون منطلقها عودة الأطراف المتنازعين الى طاولة الحوار ويُطرح كل شيء للنقاش. لكنه خرج كنتيجة للقاءاته بالانطباعات الآتية:
أولاً: إن ما عبَّرت عنه الاكثرية للقيادتين المصرية والسعودية عن حجم المعارضة ومشروعية مطالبها كان غير دقيق قياساً بحقيقة الاعتراض الشعبي القائم على الأرض ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وإن هذه الأكثرية «باتت الطرف الأضعف» على الساحة اللبنانية وإن عليها أن ترتب أوضاعها خلال أسبوعين، لأن الولايات المتحدة وفرنسا ستتخليان عنها لأن لا مصلحة لهما بأزمة طويلة في لبنان.
ثانياً: إن الاقتراح بالعودة الى طاولة الحوار لا يكفي لأن يكون مدخلاً الى تسوية او حل في ضوء الحجم الكبير لمطالب المعارضة ومشروعيتها، بل يحتاج الى ضمان مسبّق يوصل الى نتيجة مؤدّاها تسوية حول الوضع الحكومي.
ثالثاً: فوجئ موسى بالمنطق الهادئ والتسووي لدى «حزب الله» من خلال لقائه الحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، والسيد نوّاف الموسوي مسؤول العلاقات الدولية في الحزب.
رابعاً: إن التلوينة اللبنانية للمعارضة لا تتطابق مع حجم التعبئة التي تمارسها الاكثرية لجهة إظهار أن سوريا وإيران تقفان وراء تحرك المعارضة بغية «القبض على لبنان».
أمّا الانطباع شبه السلبي الذي خرج به وأسرَّ به الى بعض أصدقائه اللبنانيين، فهو أنه إذا عاد الجميع الى طاولة الحوار فإن أي طرف من الأطراف ليس بقادر على الاقتناع بفكرة التسوية مع الآخر، لأن كل طرف يرى أن الطرف الآخر يعمل على إلغائه.
لذلك يعتقد موسى أن المساعدة العربية للبنان على الخروج من أزمته الراهنة لا ينبغي لها أن تكون جزئية، وخصوصاً أنه استطلع حتى الآن فقط رأي أطراف لبنانية أساسية معنية بهذه الأزمة بتكليف من قادة كل من مصر والمملكلة العربية السعودية. وفي ضوء كل ما سمعه في بيروت أبلغ المعنيين أنه يغادرها ليبحث مع القاهرة والرياض في مدى استعدادهما لفتح المجال لأطراف عربية أُخرى (قاصداً بذلك سوريا) لأنه يرى أنه لا بد من تقديم «سلة تسوية كاملة» حول الوضع اللبناني وهذا يستدعي أن يجتمع بالقادة السوريين للبحث معهم في هذه التسوية الكاملة وعناوينها وأولوياتها لذا فإنه عاد الى القاهرة لينتقل منها الى الرياض ثم الى دمشق.
وكان موسى قد حاول إثر وصوله استكشاف موقف المعارضة الفعلي من طروحات الاكثرية للتسوية فنقل إلى بري أولاً اقتراحها عودة الوزراء الستة المستقيلين عن استقالتهم كمنطلق للجلوس الى طاولة الحوار والبحث في الحلول المطلوبة فرفضه رئيس المجلس النيابي، ثم نقل موسى اليه اقتراحها المعروف الداعي الى توسيع الحكومة الحالية او تأليف حكومة جديدة من ثلاثين وزيراً تكون حصتها من المقاعد الوزارية فيها 19 وزيراً مقابل 9 وزراء للمعارضة ويكون هناك «وزيران ملكان» لا يحق لهما التصويت او التغيب عن جلسات مجلس الوزراء. لكن بري أبلغ موسى أن الاكثرية سبق لها أن طرحت هذا الاقتراح لكن المعارضة رفضته. ثم أبلغه موسى لاحقاً اقتراحاً يقول بالتوزيعة الوزارية الآتية: 19 وزيراً للأكثرية و10 وزراء للمعارضة و»وزيراً ملكاً» واحداً. لكن بري رفض هذا الاقتراح القديم الجديد أيضاً. إضافة الى كل ذلك فإن الرئيس بري رفض اقتراحاً يطلب منه دعوة مجلس النواب الى جلسة تطرح فيها الثقة بالحكومة فقال لناقليه من فريق الاكثرية: «أنتم تريدون أن تخدعوني لكي أعترف بأن هذه الحكومة لا تزال شرعية ودستورية على رغم استقالة الوزراء الشيعة منها ... روحوا العبوا غيرها».