أنطوان سعد
بعدما بدا أن طرفي النزاع الدائر في لبنان شارفا على تجاوز خط اللاعودة، وصارت مسافة المئة متر التي تفصل ساحة الاعتصام عن السرايا أشبه بهوة سحيقة لا جسور تجمع بين حافتيها، كان احتفال رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر في قداس الأحد في المكانين، علامة رمزية وحسية في آن، على أن العبور بين الموقعين وما يرمزان إليه، سهل إذا ما توافرت النيات الحسنة.
وفي اعتقاد دبلوماسي لبناني سابق، أن المطران مطر بخطوته هذه أدى دور الموارنة المغيّب بسبب توزع قيادييهم على طرفي النزاع بدلاً من التفاهم بينهم على جملة ثوابت وطنية محددة، وأدى دور الحَكَم ومعالِج هواجس كل من الطرفين وجمعهما في مشروع إعادة بناء الدولة. فلبنان الذي عمل الموارنة خصوصاً على ولادة كيانه المستقل عام 1920 وعلى إعطائه دور البلد الملجأ ووطن الحريات الدينية والسياسية، أظهرت الأيام الأخيرة أنه لا يزال يحتاج إليهم خصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية التأسيسية بعد سنوات الوصاية التي كادت تأتي على مقوماته.
وفي الواقع، تأتي خطوة المطران مطر في سياق الخط البطريركي الماروني الذي حددته عظات البطريرك مار نصر الله بطرس صفير ومواقفه وبيانات مجلس المطارنة الموارنة، وبخاصة النداء الذي وجّهوه من بكركي في أيلول الماضي، وفيه فكرتان أساسيتان تلخصان مطلبي السلطة والمعارضة: فقدان المشاركة وسيادة الدولة. فيما كان كل طرف منهما، ولا يزال، يدافع عن مطلبه المحق من دون الأخذ بوجهة نظر الآخر المحقة أيضاً. وفي اعتقاد بعض الأوساط المطلعة أنه لو وجدت الجهة السياسية المحايدة القادرة على جمع السلطة والمعارضة وعلى تأليف قوة ضاغطة حقيقية عليهما، لكان من المحتمل جداً أن يسوّى الخلاف بينهما بمعزل عن ترسانة كل من الطرفين وأحلافه واتصالاته الإقليمية والدولية.
وفي هذا الإطار، يرى المطران مطر، أنه يمكن اختصار الخلاف القائم حالياً بأنه نزاع «بين منطق يقول بالحفاظ على السيادة وآخر بتحسين المشاركة والارتباط بالمحيط، فيما يعلن الطرفان تمسكهما بالعيش المشترك وبدور لبنان وطن رسالة. إذاً الخلاف يدور حول إدارة هذا الوطن، فهل يحق لنا إذا اختلفنا على إدارة البلد أن نقتل البلد؟ في اعتقادي أنه لا طرف لبنانياً يريد أن يقسّم اللبنانيين، لكن هناك مصالح دولية متناقضة تجد ترجمتها عندنا، لذلك علينا أن نتنبه إلى هذا الأمر. وأنا مقتنع بأنه إذا اقتنع أطراف النزاع بأن للجميع الحق في المشاركة بالتساوي في إدارة شؤون البلد تنتهي المشكلة. يجب ألا يخاف اللبنانيون بعضهم من بعض، بل أن يخافوا معاً على وطنهم، وعلى المسيحيين خصوصاً أن يكونوا على مستوى رسالتهم: عامل توحيد وجمع للطرفين المتنازعين لا أن يشاركوا في حال الانقسام والتشرذم وعدم الاستقرار».
ورأى رئيس أساقفة بيروت أن لا شيء مستغرباً في الدور الذي قام به الأحد الماضي، لأن «مهمة الكنيسة أن تجمع بين الفرقاء على أساس أن ما بينهما لا يعدو كونه سوء تفاهم بين أخوة. قلت في السرايا والكاتدرائية إن لبنان الذي تكبد شهداء وأثماناً باهظة، يجب ألا يضيع، وإننا أخوة ويجب أن يكون التعامل مع الجميع بالتساوي. لم أدخل في تفاصيل السياسة الآنية ولم آت على ذكر أسماء ولم أتطرق مباشرة إلى المشكلة الآنية. سعيت إلى رفع المسألة إلى المستوى الذي يجمع الناس ولم أشعر بأني غريب عن هذا الطرف أو ذاك، بل بأني فوق الأسلاك الشائكة وفوق الهوة التي تفصل بينهما، وحاولت قدر الإمكان حضهما على التفكير في ما يجمعهما لا في تعداد ما يفرقهما».
وحاول بعض المراقبين أن يسجل تبايناً في المواقف بين البطريرك صفير والمطران مطر عبر الإشارة إلى موقف سيد بكركي أمام سيدات 14 آذار الخميس الماضي الذي لفت فيه إلى عدم جدوى النزول إلى الشارع. بيد أن الواقع هو أن البطريرك الماروني، كما مجلس الأساقفة الموارنة، ضد النزول إلى الشارع في المطلق لأنه يخشى دائماً من حصول اصطدامات بين اللبنانيين يمكن أن تكون أرضاً خصبة لما لا تحمد عقباه. ولطالما دعا البطريرك ومجلس الأساقفة العونيين إلى عدم التظاهر ضد السوريين وقوى 14 آذار وإلى عدم إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع، إذ في بكركي معيار وحيد لتقويم الأمور: فإما صيف وإما شتاء.