فداء عيتاني
“على جثتي”، يقول رئيس الوزراء فؤاد السنيورة لقلة قليلة اجتمع بها في السرايا الكبيرة. القلة الحاضرة التابعة لقوى 14 آذار كانت تطرح إمكانات تطور الموقف: ماذا لو اقتحم المعتصمون القصر الحكومي؟ “على جثتي” يجيب رئيس الوزراء متلبّساً لباس المقاتلين الحمر في الحرب الأهلية الإسبانية.
سنّة الأكثرية يتحركون بحيوية مدهشة، طال وقت الانتظار لهؤلاء. زمن طويل مضى من القمع والاضطهاد والسكوت والكسل الإجباري، زمن من التراخي والتفرغ لأعمال صغيرة لا تجلب إلا مزيداً من الفقر، من الدرك الى الجيش الى الدكاكين التي أفقرتها المخازن الكبرى للتسوق. زمن طويل مضى قبل أن تفيق هذه الفئة على موت زعامة كانت تطرح نفسها بحجم الوطن، واكتشفت انها طائفة في حال انعدام الوزن، فاستوردت شعاراتها ورموزها الطائفية من الطوائف المنتصرة في الحرب الأهلية، وصارت تقلّد خصومها، وفرض عليها الصراع الداخلي استعارة “الثأر” من العشائر، فظهرت بغير جلدها وقاتلت بغير اتجاهها.
سنّة الأكثرية يتحركون خلف دار الفتوى. تجمع الدار اليوم ما أمكنها من علماء الدين المعمّمين للتوجه بهم الساعة الثانية الى السرايا الحكومية، وربما للوقوف خارج بابها. مواجهة المعتصمين من الشيعة برجال دين من السنّة، بعد ليال من التصعيد في الشارع، لم يعلن عن معظمها اللهم إلا ما جرى مساء الأحد. توتر باتت أسماء مفتعليه معروفة، إلا ان التيار الذي يراكم هذا التصعيد لا يعترف بالأمر.
تجتمع الطائفة مرة كل أسبوع، تطرح في خطبها إرشاداً مدته سبعة أيام. الإرشاد الأخير داخل المساجد كان موجّهاً ضد رؤساء الحكومة السابقين، ضد رموز السنّة من المعارضة، التعرض بالاسم الى سليم الحص وعمر كرامي وعبد الرحيم مراد وأسامة سعد وغيرهم، ضمن جدول أعمال واضح: توحيد البندقية السنية لمواجهة المعارضة الشيعية ومن تسوّل له نفسه من أهل السنة التعامل مع “العدو”، وفي الإطار عينه تصل تنبيهات الى عدد من المشايخ ذوي الوزن والتأثير في الشارع: “انتبهوا جيداً، فقد يفلت منا سفهاء يتعرضون لكم بالضرب أو الاعتداء”.
التراص ووحدة البندقية مطلوبان بشدة، فزمن الإمساك بالأعصاب وضبط النفس ليس طويلاً لدى أبناء التيار السني الأكبر “المستقبل”، التحضيرات على قدم وساق لانفجارات صغيرة ضد العدو، صار العدو اليوم داخلياً، هم الفرس والشيعة ومعهم بعض المسيحيين، هكذا تتصور الأكثرية أعداءها، وتشير الى “حزب الله” بـ“التابعين لإيران”، وتحصد شعاراتها الداخلية نجاحاً منقطع النظير: الشيعة يهادنون الأميركيين في العراق ويقاتلون الاسرائيليين في لبنان، فيما لا تلتفت هذه التعبئة المذهبية الى حقيقة أبسط من سذاجة “الكتلة الشيعية الفارسية”، ألا وهي أن السنة يقاتلون الأميركيين في أفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين خصوصاً.
تستغل الولايات المتحدة الحيوية السنية الشابة في لبنان. يتدخل وليد جنبلاط ليكون وسيطاً ووسطاً ودالاً على أبجدية التحرك “يا بيروت بدنا الثار” قال في وقت سابق، وسارت بيروت الى الثأر حتى لحظة وقوفها على دم أولى ضحايا الثأر من المراهقين البائسين القادمين من الفقر ليموتوا على أيدي فقراء آخرين.
الأكثرية السنية خارج الصراع الفعلي ضد الأميركيين، تكابر ضد شارعها نفسه، وتؤكد انها يمكن ان تضبطه لمدة أيام قليلة بعد، ولا ترى الى تنقل عشرات الشبان بأسلحتهم ــ لنفترض أنها من العصي والأحجار ــ في الأزقة بأنه فلتان للأمور من عقالها، بل مجرد ردة فعل محدودة سيليها ما يليها من عظائم الأمور.
تفشل المعارضة السنية في الاجتماع. رؤساء الحكومة السابقون يمتنع اجتماعهم، بعضهم خارج البلاد. على رغم ما في الموقف من ضرورات إلا أن بياناً لم يصدر عنهم، فيستعيض منه الرئيس الحص بكلمة له. الكل يشاهد الذهاب الى الفتنة، الشوارع تشهد والنفوس تحكي ان “لبيك يا سعد الدين” صارت شعاراً من “غنائم الحرب” من الطرف الآخر.