نقولا ناصيف
اتخذت المواجهة السياسية بين الغالبية الحاكمة والمعارضة، في الأيام الأخيرة، بعداً أمنياً أبرزته حوادث متكررة في أحياء تشكّل تماساً سنياً ــــــ شيعياً، بدت بالنسبة إلى الطرفين جزءاً لا يتجزأ من اشتباك سياسي يراوح مكانه حتى اليوم السادس من اعتصام المعارضة. وفتحت جملة شكوك متبادلة لم تخلُ من اتهامات، باب التكهّن وإثارة المخاوف حيال الأدوار التي يقوم بها الجيش وقوى الأمن الداخلي لحفظ الأمن. وبمقدار ما يسعى الجيش إلى أن ينأى بنفسه عن التحوّل طرفاً مذ ساوى اعتصام المعارضة 2006 باعتصام قوى 14 آذار 2005، واتخذ موقع العازل بين أنصار هذا الفريق وذاك، وجدت قوى الأمن الداخلي نفسها في موقع الطرف والخصم، سواء لجهة التصاقها بالغالبية وتحديداً تيار المستقبل، أو لجهة خيارها أن تكون في مواجهة ما تعتبره «شغب» الاستخبارات العسكرية السورية ورجالها القادرين على العمل في لبنان. ولأنها وجدت نفسها أيضاً طرفاً مباشراً في التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأداة تنفيذية للجنة التحقيق الدولية، وجعلت شعبة المعلومات جهاز استخبارات الظل وقيّماً على اعتقال الضباط الأربعة الكبار، فإن انتقال المواجهة إلى الشارع حمّل قوى الأمن وزراً سياسياً وهي تحت عبء قدرات محدودة في الاضطلاع بدور أمني موازٍ للجيش. ومذ بدأت المعارضة اعتصامها (الأول من كانون الأول)، وُضِعت قوى الأمن في الصف الخلفي بعد الجيش المعني مباشرة بحفظ الأمن ومنع الشغب.
في حمأة ذلك كله، تضاعفت الشكوك فيها: تارة باتهامها بأنها عصا عسكرية وأمنية سنية (نظراً إلى أن مرجعياتها الثلاث، وهي وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي ورئيس شعبة المعلومات، سنية)، وطوراً بأنها حزام أمني لا يكتفي بحماية شرعية حكومة الرئيس السنيورة فحسب، بل الأحياء السنية في بيروت والوسط التجاري، ودائماً أنها القوة الأمنية الموثوق بها لدى فريق الغالبية.
وسواء صحّ ذلك كله ـــــ وهو يصحّ من وجهة نظر المعارضة أو لا ــــــ لامست الحوادث الأمنية الأخيرة دور قوى الأمن. وهذا ما عكسه اجتماعٌ أمس في وزارة الدفاع، ضم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ومدير المخابرات في الجيش العميد الركن جورج خوري ووفيق صفا عن «حزب الله» وأحمد البعلبكي عن حركة «أمل».
واستناداً إلى مناقشات الاجتماع، فإن انتقادات لقوى الأمن ساقها المسؤولان الشيعيان على قاعدة أنها الطرف في المواجهة الحالية، بينما قالت وجهة نظر ريفي إن الغطاء الذي توفّره المعارضة لأنصارها يتسبب بهذه الحوادث. وبدا من الحوار فقدان الثقة بين فريقين تبادلا المآخذ الآتية:
قال المحاور الشيعي إن قوى الأمن تجاوزت دورها الأمني في البيان الذي أصدرته ليل الإثنين ــ وقد وصفه بأنه سياسي ــ متهمة عناصر المعارضة بإحداث شغب على نحو متطابق لما تقول به قوى 14 آذار، الأمر الذي حمل المحاور الشيعي على التساؤل أمام ريفي «هل أصبحت قوى الأمن ميليشيا تيار المستقبل، أم جيش تيار المستقبل؟». وتحدث عن دور تقوم به شعبة المعلومات يتناول نقل مراسلي تلفزيون «المستقبل» ومصوريه في سيارات قوى الأمن، وكذلك نقل أنصار تيار المستقبل فيها ونقل أسلحة تدير عملياتها شعبة المعلومات إلى أنصار التيار. وقاد هذا الكلام المحاور الشيعي إلى القول: «هل المطلوب منا أن نستعين نحن الآخرين بالضباط الشيعة الكبار في قوى الأمن واستعارة سيارات قوى الأمن التي في تصرّفهم لنقل أنصارنا، وأن يفعل كذلك العماد ميشال عون مع الضباط المسيحيين؟».
كذلك أجرى المحاور الشيعي مقارنة بين الدور الذي تضطلع به قوى الأمن وذاك الذي يقوم به الجيش «فأكسبه صدقية لأنه لا يتصرّف على أنه طرف». وإذ اتهم شعبة المعلومات بـ «تحريض مجموعات وتسليحها» وأن تيار المستقبل «يستخدم وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي في المواجهة السياسية»، خلص إلى مطالبة ريفي بأن تكون قوى الأمن في منتصف الطريق بين طرفي النزاع ومحايدة.
أما ريفي فقد أبرز لمحاوره الشيعي موقفاً معاكساً اعتبر ما قيل في شعبة المعلومات «تجنياً»، مؤكداً أن قوى الأمن «على مسافة واحدة من الطرفين»، وأن تعليمات صارمة بذلك وجهها إلى الوحدات بـ«ملاحقة كل المتسببين بالمشاكل الأمنية وعدم التساهل»، وأن قرار قوى الأمن كالجيش، هو «الإمساك بالأمن تماماً». غير أنه سجّل مأخذاً على المعارضة التي «توفّر غطاء سياسياً لأنصارها» من خلال افتعال الحوادث وعدم التنبّه في سياق توجيه الاعتصام إلى «حساسية بعض الأحياء» التي تسبّبت بالحوادث الأخيرة. ولفت إلى أن قوى الأمن جاهزة لمواجهة الحدّ الأقصى في حفظ الأمن «لكن المشكلة سياسية لا أمنية. ويقتضي معالجة أسباب الأزمة لا توجيه الاهتمام إلى نتائج تلك الأسباب التي تنعكس أمنياً وتحاول قوى الأمن مواجهتها من غير أن تتخلى عن مسؤوليتها».
في خلاصة ما انتهى به الاجتماع:
1 ــــ تعهّد التحالف الشيعي رفع الغطاء الحزبي عن أنصاره، ولا سيما أولئك الذين قد يتسبّبون بحوادث شغب، مما يسهّل عمل الجيش وقوى الأمن معاً كما طالب ريفي.
2 ـــــــ تأكيد قوى الأمن أنها على مسافة واحدة من طرفي النزاع. وترجمة لذلك أصدر ريفي مساء أمس أمراً برقياً إلى قادة الوحدات يقول: «بما ان البلاد تشهد منذ أيام اعتصاماً في العاصمة وتظاهرات في بعض المناطق اللبنانية، وحيث إن مؤسسة قوى الأمن الداخلي معنية بأمن جميع اللبنانيين على اختلاف معتقداتهم السياسية والدينية، وفي سبيل تطبيق القانون وحفظ النظام وتوطيد الأمن، وحفاظاً على صون حرية التعبير واحترام النظام العام، يُطلَب إليكم، وكل في ما خصّه:
ــــــ التشّدد في قمع كل أعمال الشغب وعمليات الإخلال بالأمن، وبعض حالات الظهور المسلح الصادرة عن أي طرف أو أشخاص أيّاً كان انتماؤهم، والعمل على ملاحقتهم وتوقيفهم بالتنسيق مع السلطات القضائية المختصة.
ــــــ التشدّد في حفظ النظام وتوطيد الأمن، ومنع أعمال الشغب أو الاعتداء على المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، وتوقيف مرتكبيها إلى أي جهة انتموا من دون أي استثناء أو تمييز.
ــــــ عدم استجابة أي تدخّل أو مراجعة أيّاً كان مصدرها، في معرض تنفيذ المهمات المذكورة أعلاه.
ــــــ التعميم على ضباط قوى الأمن الداخلي وعناصره كافة بوجوب التقيّد بمضمون ما ورد أعلاه، تحت طائلة اتخاذ أشد التدابير المسلكية والقانونية المناسبة لجهة أي تقصير أو تهاون أو انحياز في تطبيق القانون».
3 ــــــ تأكيد الجيش أنه سيصدر بيانات يعلن فيها نتائج المداهمات والتعقبات التي ينفّذها، وخصوصاً في موضوع مقتل أحمد محمود، وكشف مدير المخابرات أنه أوقف ثلاثة مشتبه في إطلاقهم النار عليه، وأنه في صدد دهم أربعة أشخاص. وتعهّد ضبط مسالك الاعتصام لتفادي الاحتكاك بين أنصار الطرفين والتسبّب بشجارات مذهبية.