أنطون الخوري حرب
قلّما شهدت العلاقات بين رجال السياسة والدين في تاريخ الموارنة السياسي مثيلاً للعلاقة بين العماد ميشال عون والبطريرك نصر الله صفير.
يؤكد مساعدون لعون ان لا خلافات جوهرية مع صفير، لكن التشخيص العوني للعلاقة ينطلق من تحديد نقاط التلاقي والتباعد. فالخلاف الذي بدا بسبب “حرب التحرير” في 14 آذار 1989، امتد حتى موافقة صفير على الطائف وانحيازه إلى قوات سمير جعجع في حربها مع عون عام 1990، ودعمه إسقاط عون عسكرياً في 13 تشرين الأول 1990. واستمر الخلاف بسبب عدم دعوة صفير إلى مقاطعة الانتخابات خلال العهد “السوري”. وكان الخلاف يتفاقم بسبب موقف البطريرك الرافض لتظاهرات طلاب التيار العوني، ومن ثم احتضانه للقاء قرنة شهوان، ورفضه وصول عسكري الى الرئاسة، وأخيراً موقفه السلبي من التحرك الشعبي للمعارضة.
في المقابل يعترف مساعدون لصفير بصوابية مواقف عون، ويعددون نقاط التلاقي بين الرجلين بدءاً من موقف صفير الداعم لخيار عون بالدولة ضد الدويلة خلال الصدام العسكري بين الجيش والقوات اللبنانية، وموقفه من القوانين الانتخابية حتى عام 2005، وكذلك رفضه نفي الجنرال.
لكن الإشكالية تظهر في تفسير الرجلين للأحداث والظروف. ففي حين يرى عون ان تحرك الجمهور أصدق تعبير عن الحال السياسية، يرى صفير أن الجماهير لا تُضبط في الشارع. إلا أن هذا التباين لا يفسد للود قضية، ما دام الاثنان يتجهان نحو الأهداف ذاتها. وقد يكون البطريرك مهتماً بتنسيق المواقف والتحالفات السياسية للأطراف المسيحيين أكثر من ميل عون، إضافة إلى تبرّع البعض بالدسّ بينهمالخلق أجواء متشنجة. كما يلعب السفراء دوراً في توسيع الخلاف بتحريض من سياسيين محليين وخارجيين.
بعد هذا العرض، يتبين أن من المستحيل التوصل إلى اتفاق بينه الرجلين بحده الأدنى، أو علاقة جيدة ودائمة بحدها الأقصى. لكن مساعديهما يتفقون على نفي هذه الاستحالة لعدة أسباب، منها ما يتصل بطبيعة العمل السياسي وحرية الاختلاف في الرأي، لكن الاختلاف يكمن من وجهة نظر العونيين في تنكّر البطريرك لحق عون بتمثيل المسيحيين في موقع الرئاسة الأولى، علماً بأن صفير هو من كرّس عون مرجعيةً للمسيحيين بعيد الانتخابات الأخيرة، فلماذا لا ينهي التناقض بين هذا الموقف وموقفه الرافض لوجود عون في سدّة الرئاسة؟
وبين الموقفين تبقى الإشكالية بين الرابية وبكركي قائمة بغياب آلية تنسيق وتواصل مستمرة بينهما. فهل تشهد الأيام المقبلة تطوراً إيجابياً في العلاقة بعد إعلان الثوابت المارونية أمس، أم تعطله إعادة استنهاض لقاء قرنة شهوان الذي أنهاه صفير بنفسه؟