كارل كوسا
«عَ مار الياس»؟»، «وين بمار الياس؟»، «ع اللجا»، «إيه الله يفرجها... مش طريقي».
هذا غيض من فيض لحوارات «سرفيسيّة» كانونيّة، بعد انتقال الصراع السياسي من الساحات والشاشات إلى السرفيسات. فإذا أردت التوجّه من بيروت نحو الضاحية، فأنت، بحسب قاموس سائقي السرفيسات في بيروت، على الأرجح، ضدّ الحكومة. أمّا إذا ناديت للسرفيس «عالبلد» أو «رياض الصلح» أو «ساحة الشهداء»، فأنت متّهم، فوراً، بالانتماء إلى «المحور السوري ـــ الإيراني».
للخروج من هذه المُعضلة، قرّر قاسم التحايل على سائقي السرفيسات، لدى توجّهه يوميّاً إلى ساحتي «انتفاضة الكرامة والتحرير»، بتعديل وجهة الوصول، قليلاً، لتمسي «عالباشورة» أو «سليم سلام». التمويه ضروري، يعتقد قاسم، وخصوصاً بعد أن بدأت التهديدات بالشغب والفتنة تتجسّد عمليّاً، اعتداءات ورصاصات واغتيالات. وعن اختياره لمسمّيات مناطق مثل «الباشورة» و«سليم سلام»، يقول علي، زميل قاسم، «هذه المناطق غير مصبوغة سياسياً باللون الواحد، حتّى الآن»، بل هي مناطق سكنية مختلطة. ويأسف علي «لأننا صرنا ننزل بلا أعلام وبلا أي رمز مذهبي أو سياسي، تحاشياً للمزيد من هجومات ميليشياوية علينا». ويجزم عماد أنّ الكثيرين من «الشيعة» الذين يقطنون في العاصمة بيروت باتوا يتّجهون إلى اعتصام المعارضة الوطنية، سيراً على الأقدام، خشية من إحراج قد يسبّبه لهم سائق سرفيس متعصّب «زيادة عن اللزوم»، ومعكتف إلّا عن نقل أبناء مذهبه وفريقه السياسي إلى حيث يشاؤون.
نوع ثانٍ من سائقي سيّارات الأُجرة، يرحّب بالجميع، وسرعان ما يتلو عليهم رسائل دعَوية وتبشيرية، لإقناع الركّاب المختلفين عنه سياسياً، (وخصوصاً إذا كانوا من الطائفة السنية) بالالتحاق بفريقه السياسي، محاولاً إثبات أنّ كلّ من في الساحتين هم «سوريون وإيرانيون وعملاء لهم»، تماماً كما حصل مع محمّد (البيروتي) الذي اضطرّ، إلى إنهاء الجدل الدائر بينه وبين السائق، إلى إيهامه بأنّه اقتنع أن لا وطنياً في لبنان إلا مواطن «14 آذار».
«ع السكّين» هي أفضل تسمية تلائم الفريق الثالث من السائقين. إذ يفيد جاد «بيطلّعك، وبيفتح معك نقاشات، وقد ما تتهرّب أو تتمنّع من الإجابة، بيضلّه وراك ليوقعك ويعرف أنت شو ومنين وبالتالي، ليحكم، مع مين». فإذا بانت «البطيخة، بالنسبة إلى السائق، حمراء اللون فـ«الله والنبي معك... حتّى لو كنت واصل عَ جبيل ما في مشكلة». في حين لو كانت البطيخة «قرعة»، أي لكنتك «بعلبكية أو جنوبية»، فالحدّ الأدنى من ردور الفعل، يشير عبّاس، هو «الاعتذار عن إيصالك» أو الانضمام إلى فرق شتّامي الرموز والشخصيات «وقد ما تحلف له أنك خط ثالث ولست منتمياً إلى أحد أحزاب المعارضة»، يأبى أن يفصل بين خطّه السياسي وخطّه الجغرافي السالك، عادةً، على كل الجهات، قبل بداية فصول التمترس.