إبراهيم الأمين
“من لديه حليف كهذا الرجل يجب ألّا يخاف على مستقبل البلاد”. كان هذا تعليق العماد ميشال عون على خطاب السيد حسن نصر الله أمس. وهو الخطاب الذي حسم نصر الله فيه تردداً كان موجوداً في لحظة معينة بخلاف حماسة بقية قوى المعارضة على المضي بسرعة نحو رفع مستوى الخطوات في التحرك الشعبي الهادف الى تغيير سياسي داخلي. ومع أن التنسيق بين عون ونصر الله وآخرين من قادة المعارضة بلغ مستوى متقدماً خلال الفترة الأخيرة، فإن الأهم في ما قاله أشياء تخص لبنان وأخرى تخص العالم العربي.
في الشق الداخلي أنهى نصر الله أي نقاش حول تردد أو تراجع في خطوات المعارضة الهادفة الى رفع مستوى التحرك حتى تحقيق مطلب المشاركة، وأعطاه بعده المتصل بأن التغيير يُسقط عنوان الإلغاء أو الاستئثار الذي تتهم المعارضة قوى السلطة بأنها تعمل وفقه. ثم هو لم يقفل باب الحوار وإن كان حازماً في القول إن العودة الى التفاوض مرتبطة بتحقيق هدف ليس بحده الأدنى منح المعارضة الثلث + واحد في أي تشكيلة حكومية جديدة. وحتى لا يبقى الكلام في الهواء رأى أن المبادرة التي وردت في وثيقة الثوابت المارونية صالحة للاستخدام في هذا المجال، من دون أن ينسى لفت انتباه أهل الحكم إلى أن المعارضة ترى أن ثمن التحرك في وجبته الأولى هو هذه التركيبة الجديدة وإلا فإن التصعيد في ما لحق يعني الذهاب نحو ما هو أبعد من الثلث الضامن كما يصفه نصر الله، نحو استعداد المعارضة لاستلام الحكم بعد انتخابات نيابية مبكرة، مظهراً رهاناً كبيراً على أن المعارضة تملك رصيداً في الشارع يمنحها هذه الأغلبية في انتخابات مبكرة. علماً بأنه رسم سقفاً مسبقاً لتحالفاته لناحية القول إن ما جربه في السابق لن يعود إليه بعد الآن.
ومع أن نصر الله تحدث سريعاً عن فشل الحوار والتشاور وعما سمّاه خداعاً، إلا أنه انتقل سريعاً الى مخاطبة الجمهور العربي والسني على وجه التحديد من بوابتين: الأولى تتعلق بالموقف من الصراع مع اسرائيل رامياً في وجه قوى السلطة اتهامها بأنها عملت على ضرب المقاومة قبل وأثناء العدوان. والثانية تتعلق بما يجري الآن في العراق لناحية إدانة تحالف أي جهة عراقية مع قوات الاحتلال الأميركية بما فيها الشيعة هناك.
وهو في هذا المجال لفت الجمهور العربي الى أنه بوصفه مقاوماً أول فإنّه يرى أن قوى المقاومة قادرة على لعب دور تغييري داخلي، وهو الأمر الذي يفسّر الى حد بعيد الاستفزاز الظاهر في مواقف حكومات عربية وفي مقدمها مصر والاردن من حركة المقاومة في لبنان وفلسطين، ولا سيما ان هاتين الحكومتين تدركان معنى امر المقاومة بالنسبة إلى شعبيهما. كما ان نصر الله عاد الى معاتبة السعودية من باب أنه لا يجوز لأي دولة عربية ان تكون طرفاً في النزاع اللبناني وأن تكون الى جانب هذه الجهة او تلك.
لكن يبدو من مناقشات سابقة على خطاب نصر الله المباشر امس، أن السعودية كانت تراهن على شيء مختلف في كلمته، لا بل إن مسؤولين سعوديين لفتوا انتباه أصدقاء لهم في بيروت إلى أنه حصل أن بعثت المملكة رسالة وصفت بـ“شديدة اللهجة” الى نصر الله تحذره من مغبة الاستمرار في التحرك الذي تقول السعودية كما مصر انه لا يمثل “مصالح اللبنانيين وانه يعكس رغبة شيعية في مد النفوذ باتجاه لبنان”. لكن يبدو، مرة جديدة، أن هذا الفريق لا يفهم بدقة الموقع الذي يمثله نصر الله في هذه اللحظة، وهو تصرف مع الموقف المصري ــــــ السعودي كما تصرف خلال مرحلة العدوان وإن كان هذه المرة لن ينتظر طويلاً حتى يبادر الى الهجوم الدفاعي.
وإذا كان نصر الله قطع كل الجسور من خلفه للقول إنه لا مجال للتراجع الى الخلف، فإن قوى السلطة سوف ترفض كلامه وسوف تقرأ فيه توتراً ومكابرة وخلاف ذلك من العبارات التي تذكر بموقف هذا الفريق خلال أيام الحرب، وسوف تعمد هذه القوى الى رفع مستوى رفضها إلا إذا وجد من ينصحها بعدم اللجوء إلى وضع الرأس في الرمال والى النظر بعينين واسعتين اتجاه ما يحصل. علماً بأن في فريق السلطة ولا سيما غير السياسي، من يقترح اللجوء الى توترات أكبر في بيروت وبقية المناطق لمنع الحشد المفترض الأحد، وهو الأمر الذي يبدو أن السلطة تخشاه أكثر من شيء آخر، بعد ورود معلومات كثيرة لديها تقول بأن حشد الأحد لن يكون كما كان عليه يوم انطلق التحرك الشعبي وان المشاركة العامة من بقية الاطراف كافة سوف تتفاعل.
ومع ان قوى السلطة راهنت بقوة على موقف الكنيسة الرافض للنزول الى الشارع، فإن هذه القوى تعاني اليوم مأزق ما خرج من “ثوابت الكنيسة” وهو الأمر المتصل هذه المرة بما تراه الكنيسة حصيلة منطقية لما هو عليه الشارع الآن، وهو ما ترجم على شكل معركة داخل القيادة الكنسية تحديداً، إذ خلص احد المعنيين الى اعتبار مبادرة الثوابت حصيلة لمعركة فاز فيها المطران سمير المظلوم راعي الحوار مع قوى المعارضة المسيحية التي تمثل أغلبية الشارع المسيحي على المطران يوسف بشارة الذي لا يزال يحنّ إلى أيام “قرنة شهوان” ويتبنى مطالب من بقي منها في فريق السلطة الحالية. وهو امر تعرف قوى السلطة معناه أكثر من غيرها كما تعرف أنه بداية في مشوار جديد مع الكنيسة التي تعرف من أديرتها حجم المشاركة الشعبية في تحرك المعارضة.
يبقى أن موقف نصر الله امس وحشد الصلاة اليوم واحتفال الأحد سوف يفتح الباب أمام خطوة من اثنتين: إما أن يبادر وزراء في الحكومة الحالية إلى الاستقالة تلبية لنداء الشارع ويفتح الباب قسراً باتجاه معادلة جديدة، أو ان البلاد على مشارف موجة جديدة من التصعيد في حركة المعارضة سوف تؤثر بقوة على الوضع العام في البلاد، علماً بأن التوترات لم تخرج بعد من أزقة الاحتقان، ونصر الله بعث كلمة السر إلى من يهمه الأمر: لو قتلوا منا ما قتلوا فلن يغير من قرار الاستمرار في التحرك ولن يكون هناك رد دموي.