احتفل مجلس نقابة المحامين في بيروت بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الانسان، عند العاشرة من قبل ظهر أمس، في بيت المحامي. ومن خلال الكلمات التي أُلقيت، بدا «الاحتفال» أشبه بمجلس عزاء، فحقوق الانسان مهمشة والخروق تزداد يوماً بعد يوم وخصوصاً في مختلف أنحاء المنطقة العربية
دخل الإعلان العالمي لحقوق الانسان في نصّ الدستور اللبناني مع التعديلات التي أُدخلت عليه بعد اتفاق الطائف عام 1989. فمقدمة الدستور الحالي تنصّ في الفقرة «ب»: «لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الانسان. وتجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون استثناء». لكن هل يحترم الدستور في لبنان؟
نقابة المحامين
دعت نقابة المحامين في بيروت الى احتفال بمناسبة العيد الثامن والخمسين للإعلان العالمي لحقوق الانسان، حضره حشد من القانونيين والسياسيين والديبلوماسيين، من بينهم النائب غسان مخيبر والنائب السابق أوغست باخوس ونقيبا الصحافة محمد البعلبكي والمحررين ملحم كرم وضباط ممثلون لقائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي والمدير العام لأمن الدولة، وأعضاء مجلس النقابة وعدد من القضاةاستهل الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني، ثم كلمة الافتتاح ألقاها عضو لجنة الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان فادي كرم تناول فيها: «دور نقابة المحامين في مجال حقوق الإنسان وعملية التطوير التي شهدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الصعيد الدولي وحاجة لبنان الخاصة الى هذه الحقوق». ثم ألقى النقيب ضومط كلمة قال فيها «ننظر الى ما يجري في عالمنا، فينتابنا القلق، وتدبّ الحيرة فينا، ويجد الإحباط طريقه إلينا». وتحدث رئيس هيئة التفتيش القضائي السابق القاضي طارق زيادة عن الإعلان العالمي لحقوق الانسان والصيغة الوطنية اللبنانية. وقال: «لا يمكن بقاء الأوضاع المذهبية والطائفية والعشائرية والزبائنية على ما هي عليه الآن، مانعة من قيام الدولة الحرة الديموقراطية التي تجسد استقلال السلطات وتعاونها، وفي الطليعة استقلال السلطة القضائية المفتقد، الذي لا بد من توافره كضامن للحريات العامة والحقوق الأساسية، ولا يمكن نظاماً حراً ديموقراطياً وبرلمانياً أن يتلاءم مع أي سلطة طائفية أو سواها تعتبر نفسها متقدمة على الولاء الوطني الجامع».
الأمم المتحدة
وتلا نائب الأمين العام لمنظمة «الإسكوا» عاطف قبرصي رسالة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في المناسبة جاء فيها: «ينبغي لكل منا ان يفهم ان الحقوق التي ينص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان قليلة الأهمية في نظر ملايين الناس في هذا العالم من الذين يعانون المرض والجوع، ما داموا لا يحصلون على حلول فعلية. ويتعين علينا جميعاً ان نقر بأنه حيثما تعيش أسر بكاملها على أقل من دولار في اليوم، أو يموت الأطفال نتيجة عدم وجود الرعاية الأساسية، يكون الإعلان مجرد كلمات جوفاء». وأضاف: «التنمية والأمن وحقوق الإنسان هي عناصر مترابطة، ولا يمكن تحقيق التقدم في أي منها دون الآخر. والواقع ان أي شخص يتكلم بحماسة عن حقوق الانسان من دون ان يتطرق الى أمن البشر وتنميتهم، أو العكس، يقوّض صدقيته وقضيته. لذا دعونا نتكلم بصوت واحد عن هذه العناصر الثلاثة، ودعونا نعمل معاً كي يكون لعبارة «حرية العيش من دون عوز ومن دون خوف وفي كرامة» معنى حقيقي في نفوس أشد الناس فقراً».
منظمة العفو الدولية
وقدم ممثل منظمة العفو الدولية أحمد كرعود جردة سريعة لواقع حقوق الإنسان «الذي يتسم بانتهاكات فاضحة تحت عنوان: الحرب على الإرهاب، وتقوده أكبر قوة سياسية وعسكرية واقتصادية في العالم هي الولايات المتحدة الاميركية»، وقال: «شهد العام 2006 عدم التزام الحكومات ما تعهدت به أمام الأمم المتحدة لتحقيق أهداف الألفية في المجالات كافة. وما يبعث الأمل ان هناك حركة عالمية شعبية وبريق أمل من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، عندما استطاعت الجمعيات غير الحكومية دفعها لإقرار اتفاقية الحد من الأسلحة الخفيفة التي تتسبب بمقتل المئات في العالم». وأضاف: «عربياً، لا يزال النزيف العراقي مستمراً وأصبح روتيناً وبات معدل القتلى في الشهر الأخير يفوق 150، كذلك في فلسطين ودارفور، ولا يزال الأمل بوجود الجمعيات غير الحكومية واهتمام المنظمات الدولية التي تحاول فضح هذه الانتهاكات وتوثيقها. وفي لبنان، عاش هذا الصيف انتهاكات فاضحة على مستويات القانون الجنائي وقانون حقوق الانسان وقامت منظمة العفو الدولية بتوثيق هذه الانتهاكات. ويكفي النظر الى الاحصائيات التي تؤكد الفرق الكبير بين عدد المدنيين والمقاومين الذين استهدفوا في العدوان». وأشار الى 17 ألف مفقود من الحرب منذ 15 سنة، وخصوصاً في ظل ثقافة الإفلات من العقاب. وقال: «ان منظمة العفو، وإثر الأحداث التي جرت، توجهت الى الأمم المتحدة لتؤلف لجنة تحقيق في الجرائم التي تمت، ودعونا الى وقف تصنيع القنابل العنقودية وتصديرها، فالحرب ما زالت مستمرة لأن القنابل تحصد يومياً القتلى».
مفوضية حقوق الإنسان
أشار ممثل مفوضية حقوق الإنسان فاتح عزام في كلمته الى 3 تحديات واجهها المجتمع الدولي في مطلع الألفية الثالثة، مرتبط بعضها ببعض، وكلها على علاقة جدلية مع حقوق الانسان ومستوى ضمانها واحترامها، «وهي: بناء مجتمعات حرة يتمتع فيها كل انسان بحرية وبمستوى معيشي لائق من دون أي تمييز، والتنمية، والحد من الفقر، وتفشي النزاعات المسلحة الدولية والداخلية، ولعلها من أخطر الانتهاكات لحقوق الإنسان، وخاصة في المنطقة العربية».
وقال: «إن أهم ما تقدمه منظمة حقوق الإنسان هو أن فكرة الحق تشمل فكرة الواجب والاستحقاق، وأن في الإمكان أن يطالب أصحاب الحق بحقوقهم»، داعياً الى «ألا ننتظر الى ان تقر حكوماتنا، وطنيـــــــــــاً ودولياً، بالحقوق فحسب، بل ان نبدأ بالمطالبة بها وبمراجعة جميع السياسات الوطنية والدولية من منظور حقوق الإنسان».
وألقى رئيس لجنة الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الانسان في نقابة المحامين المحامي عبد السلام شعيب كلمة أعلن فيها «انه في الظروف العصيبة التي يجتازها الوطن، يشعر المحامون بأن كرامة الإنسان وحرياته وحقوقه في خطر داهم، فدولة الحق والقانون تهتز وتتداعى، والنظام الديموقراطي يزداد هشاشة وضعفاً، والسلطة القضائية حامية الحقوق والحريات تفقد تباعاً استقلالها».