إبراهيم عوض
لم يعد الحديث عن تردي العلاقات السورية ـ السعودية يدور همساً في الدوائر الرسمية في كل من الرياض ودمشق بعد أن طفا على السطح واتسع نطاق التداول به عقب الكلام الذي قاله نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في مؤتمر أحزاب الجبهة الوطنية القومية يوم الأربعاء الماضي، والرد السريع عليه الذي جاء على لسان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده في اليوم التالي في ختام الاجتماع السنوي التحضيري للقمة الخليجية في الرياض. وفيما ألقى كل من الشرع والفيصل اللوم على الآخر لما أصاب العلاقات بين بلديهما، إلا أنهما أجمعا على رد أسباب هذا التأزم إلى «الاعتبارات الشخصية».
فقد ذكر الشرع في معرض شرحه لأسباب «التراجع» في العلاقات بين سورية والسعودية «أن العلاقة مع الأخيرة فيها الكثير من الشخصانية كعلاقتنا مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك». وأضاف: «نحن عرب نغضب بسرعة ونهدأ بسرعة وستأتي فترة الهدوء. المهم ألا نسمح للآخرين بأن يناسقوا وراء ما سيكتشفون أنه سراب حقيقي، أو ينزلقوا لعداء طويل الأمد ليس لمصلحة أحد، وخاصة أن الأمة العربية تجتاز مرحلة خطيرة وما سيصيب أي بلد عربي سيؤثر على بقية الدول حتماً».
أما سعود الفيصل فقد أجاب الشرع بعبارات مقتضبة، لكن معبرة جاء فيها أنه «لا يعلم بأن اشخاصاً في السعودية تسببوا في اساءة او جمود العلاقة بين الرياض ودمشق، ومع ذلك فإن سوريا بلد غالٍ على كل حال ولا أريد أن اقول اكثر من ذلك».
أوساط سورية متابعة لحال العلاقة مع المملكة استوقفتها كلمة «اساءة» الواردة في رد الفيصل على الشرع وقالت لـ«الأخبار» إنه لم يعد خافياً أن القيادة السعودية مستاءة مما ورد في خطاب الرئيس بشار الأسد بعد توقف العدوان الاسرائيلي على لبنان، لجهة وصفه بعض المسؤولين العرب بـ«أنصاف الرجال»، وترى أن وصفه هذا موجه إليها مباشرة، وقد جاء بعد انتقاده لبيان المصدر السعودي من دون ان يسميه، الذي قال فيه إن أسر المقاومة اللبنانية لجنديين اسرائيليين «مغامرة غير محسوبة».
وأفادت هذه الأوساط بأن الجانب السوري تلقى أكثر من رسالة عتاب سعودية في هذا الصدد، وهناك من تساءل مستغرباً: «أهكذا يعامل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان أول من جاء للوقوف إلى جانب الدكتور بشار لحظة وفاة والده الرئيس الراحل حافظ الأسد فشد من أزره وأعلن دعمه له ووقوفه الى جانبه وعامله كواحد من ابنائه؟!». وأوضحت الأوساط نفسها أن دمشق حاولت أكثر من مرة إعلام الرياض أن الرئيس الأسد لم يسم مسؤولاً معيناً، كما أن كلامه لم يكن موجهاً إلى رئيس أو زعيم محدد، بل جاء في معرض تقييمه لمجريات الأحداث التي جرت في تلك الفترة وبعض المواقف التي اتخذت إزاءها، إلا أن جميع هذه المحاولات لم تؤد إلى نتيجة.
هذا ونفت الأوساط المذكورة علمها بأن يكون أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى في صدد القيام بمحاولة لتطبيع العلاقات بين السعودية وسورية، لافتة إلى أن مثل هذه المحاولة لن يؤتى ثمارها ما بقيت المملكة متمسكة باعتبار المشكلة «شخصية»؟ كما رأت في قيام الرياض باستقبال نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، واطلاقها العنان لحلفائها في لبنان بتوجيه سهامهم الى سوريا ورئيسها دليلاً على عدم رغبتها في إعادة وصل ما انقطع بين البلدين الشقيقين.
وفيما امتنعت الأوساط السورية المطلعة عن الخوض في ما يجب القيام به لإذابة الجليد الذي يعطل حركة العلاقات السورية السعودية، ذكر دبلوماسي عربي رفيع المستوى لـ«الأخبار» أن المعلومات التي تجمعت لديه تفيد بأن وحدهما العاهل السعودي والرئيس السوري قادران على «إعادة المياه إلى مجاريها» وثمة من ينتظر في الرياض مكالمة هاتفية من الأخير تطوي معها صفحة «العتاب المتبادل» بين الطرفين. ولم تفت الدبلوماسي العربي الإشارة هنا إلى أن حصول هذا الأمر لا بد أن ينعكس إيجاباً على الوضع المتأزم في لبنان.
وما رمى إليه الدبلوماسي العربي أفصح عنه صراحة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في حديث إلى «إذاعة النور» صباح أمس قال فيه: «إن هناك وضعاً مأزوماً في علاقات بعض الدول العربية، فكيف يمكن هذه الدول المأزومة علاقاتها في ما بينها أن تعالج أزمتنا؟».