فداء عيتاني
لحظة أذيع خطاب السيد حسن نصر الله إبّان عدوان تموز وهو يقول: “انظروا إليها (البارجة الإسرائيلية) الآن تشتعل”، اشتعلت شوارع بيروت بالهتافات ونداءات “الله اكبر”. أمكن سماع هذا الهتاف عن الشرفات ومن منازل الطريق الجديدة وعائشة بكار والملا وساقية الجنزير وغيرها من مناطق السُّنَّة. “الله أكبر”، هي الأغنية التي قدمها تلفزيون “المنار” لمخاطبة الحساسية العروبية، وظلال الحرب التي سمحت للجماعة الإسلامية وغيرها من القوى “الثالثة” بتكريس حجم كبير من التعاطف مع الشيعة ومع القضية الوطنية ضد العدوان انحسرت لمصلحة تفرقة لا تقبل مساومة.
يحصي أحد كوادر “الجماعة” عدداً من المشكلات التي نشبت في مناطق متفرقة ولم يعلن عنها، يقول وهو يكاد يختنق: “الشارع محتقن إلى أقصى حد ممكن”. يتحدث هذا القائد من الصف الثاني عن انتهاء مرحلة الحرب التي لا مجال فيها للتسوية في ما يتعلق بالعداء لإسرائيل والتأييد لـ“حزب الله” والمقاومة، “لكننا اليوم في أزمة داخلية، ويكاد يتحول الصراع صراعاً سنياً ــ شيعياً على حكم البلد”. هذا الكلام قد لا توافق عليه قيادة الجماعة التي لا تعترف بكلام يصدر من خارج المكتب السياسي لها.
أحد كبار علماء الدين من السُّنَّة كان حتى وقت قريب يقف على الحياد، إلا أنه اليوم يرى أن “تلفزيون المنار وحملات الشارع تقدم لسعد الحريري ما لم تقدمه أية دعاية سياسية لزعيم في البلد”. فيما يروي كوادر من “الجماعة” عن تسجيل حصلوا عليه لبروفة الهجوم على الطريق الجديدة، هذا الهجوم الذي حصل قبل أسبوع من الاعتصام في شارع حمد، الذي يوثق تسجيلات بين من يبدو أنهم عناصر من “حزب الله” ينسقون دخولهم إلى منطقة الطريق الجديدة لاستفزاز أهلها، ويعرف كوادر الجماعة أن مصدر التسجيلات قد لا يكون على قدر كبير من الثقة، وبخاصة أن الجماعة نفسها ليست لديها إمكانات الرصد اللاسلكي، ولا التثبت من مصدر هذه التسجيلات وإذا ما كانت من عناصر الحزب أو من عناصر أخرى، إلا أن للتسريب دلالة خاصة.
عالم الدين السني الذي كان يقف وسطاً ويتحمل تبعات كبيرة لموقفه الحيادي يقول إن “الهجوم على موقع رئاسة الحكومة بجمهور شيعي وبقيادة مارونية من ميشال عون أصابنا في الصميم”. لم يعد من الممكن الوقوف وسطاً، على الأقل ليس علانية، فيما مجموعات إسلامية أخرى مثل جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية لم تتبن أكثر من الدعوات إلى منع الفتنة بين الأطراف.
تبحث “الجماعة الإسلامية” جدياً في إمكان لعب دور الإطفائي. لا يساعدها في ذلك الجو السائد في الشارع، وهي تقول على لسان أحد أعضاء مكتبها السياسي إن من السذاجة اتهام سوريا بالتوتر في الشارع، كما حاول تيار “المستقبل” القول، لكن تجب الإشارة إلى المستفيد من الجو المتشنج، لتوجيه الاتهام اليه.
مَن المستفيد من الجو المتشنج الذي يخرج الكل من عقالهم؟ لم يعد من المهم الإجابة اليوم، ربما لاحقاً يمكن البحث، إلا أن الجماعة اليوم تشير إلى أن “حزب الله” سقط في أوحال السياسة المحلية، “الشارع مشحون مذهبياً بالكامل، ونحن نسعى إلى الحفاظ على البلد وعلى المقاومة في الوقت عينه”. يبدو كلام عضو المكتب السياسي هذا آتياً من كوكب آخر، إلا أنه يعود إلى أرض الواقع اللبناني حين يقول: “يمكن ذلك بعيداً عن الشارع الملغوم، وحزب الله يقع في مستنقع الميليشيا اليوم”.
كانت الجماعة تتحضر لإطلاق مبادرة وهي تتريث اليوم، وتبحث في إمكان إطلاق حركة خاصة بها، إلا أن الشارع الجارف يجعلها تميز بين حزب الله المقاوم وحزب الله ضد رئيس الحكومة وتيار المستقبل، وتلوم حزب الله “الذي لم يعد قادراً على ضبط شارعه”.
تفتقد المجموعات الوسطية لإمكان الحياة من دون انحياز، إطلاق الرصاص في الشوارع ومشاهد العنف لم تعد تسمح بالتمايز، الجمهور الغاضب صار يجر قياداته إلى اليمين واليسار، ويأمل أعضاء المكتب السياسي في الجماعة أن يكون في الوقت متسع لإعمال العقل وطرح الحلول.