عرفات حجازي
خطا الوضع اللبناني نحو مستوى جديد من التصعيد، وسط مخاوف من احتمال انزلاق المواجهة السياسية إلى فتنة مذهبية تصعب السيطرة عليها.
وفيما لا تلوح في الأفق أية إشارات تنبئ بالخروج سريعاً من حال الاستعصاء، لخّص مراقب سياسي الوضع السائد بأنه محاصر بمأزقين: مأزق الحرص على رفض الخسارة، ومأزق العجز عن تحقيق الربح. وفي تقدير المراقب أن اللعبة السياسية الداخلية تعطلت، وأن اللعبة بين العواصم الإقليمية والدولية معقدة، ولم يحن بعد أوان الصفقات والتسويات فوق الطاولة أو تحتها، بما يجعل الوضع مشرعاً على أسئلة قلقة عن المخارج، بعدما سُدّت مسالك التسوية، وأصبحت المبادرات المحلية والعربية مقفلة على أزمة وطنية كبيرة.
وفي قراءة موضوعية للواقع المأزوم وبيئته الإقليمية والدولية يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:
أولاً: محلياً، مع وصول الأزمة إلى الذروة وتساقط المبادرات واحدة تلو الأخرى، بدا أن المبادرة التي أطلقتها بكركي هي الوحيدة التي تقاطعت على الترحيب بها كل أطراف النزاع السياسي، انطلاقاً من أخذها بطريقة متوازية هواجس ومطالب طرفي النزاع. لكن المشكلة أن كل طرف قرأ فيها ما يناسبه ويتلاقى مع طروحاته، وأبسط تعبير عن هذه المشكلة هو البدء بسياسة الانتقاء. فالرئيس إميل لحود استبعد الانتخابات الرئاسية المبكرة. والسيد حسن نصر الله رحب ببعضها وترك بعضها الآخر للنقاش. وهناك من ميّز بين حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الوفاق الوطني التي وردت تسميتها في الإعلان، وبعضهم اجتهد فرتب الأولويات وفق مصالحه، مع أن المبادرة كما تقول مصادر بكركي ليست سلة فاكهة تأخذ منها ما تريد، بل هي حزمة واحدة تؤخذ كلها أو لا تؤخذ. وفي انتظار أن يدعو أحد للبحث في آلية تنفيذها وترتيب أولوياتها، لا شيء يوحي بأن ساعة التسوية اقتربت، بل سنكون مع بداية هذا الأسبوع أمام معركة النفس الطويل.
ثانياً: عربياً، كانت مبادرة الخرطوم التي حملها موفد الرئيس السوداني عمر البشير هي الأحدث، وهي تنطلق من جملة مرتكزات تبدأ بالاتفاق على وقف التقاصف الإعلامي وتجميد الحركة الاحتجاجية، على أن يلي ذلك تشكيل حكومة وطنية موسعة بثلث ضامن في مقابل ضمانات يمكن بحثها على طاولة الحوار لاحقاً حيث تناقش التفاصيل. وبعد قيام الحكومة يصار إلى مناقشة المحكمة ذات الطابع الدولي وإقرارها، ثم بقية القضايا الخلافية من إقرار قانون جديد للانتخابات إلى الانتخابات المبكرة فموضوع رئاسة الجمهورية وكيفية إنجاح مؤتمر باريس 3، وخلاصة ما يتفق عليه يصدر في وثيقة سياسية تكون ملزمة للجميع.
ووفق معلومات مؤكدة أعطت المعارضة موافقتها على الأفكار السودانية، في حين استمهل الرئيس فؤاد السنيورة للتشاور مع أقطاب 14 آذار. وقد أعلن أمس أن الوفد السوداني مصطفى عثمان إسماعيل سيعود إلى بيروت.
أما الأمين العام للجامعة العربية فأجرى من واشنطن بعد لقائه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أكثر من اتصال مع رئيسي المجلس والحكومة مستطلعاً جديد المواقف من الطروحات التي عرضها على الطرفين، وآخر الأفكار التي قدمها في لقائه الأخير مع الرئيس نبيه بري بالتفاهم على حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً 19 منهم لفريق الأكثرية و10 للمعارضة على أن يسمي الرئيس بري «الوزير الملك» ويحظى بموافقة الطرف الآخر، وفي المعلومات أن الرئيس بري وافق على هذه الصيغة بعد التشاور مع حلفائه، لكن فريق السلطة لم يتجاوب .
وتردد أن موسى سيعود غداً إلى القاهرة لإجراء مزيد من المشاورات والاتصالات مع بعض القادة العرب بعدما اقتنع بوجهة نظر الرئيس بري التي شددت على أن البيئة العربية الحاضنة تاريخياً للبنان وصراعاته وتسوياته في وضعية مأزومة، وانه ليس من أبواب أو نوافذ تفتح على حل إذا لم يصر إلى تنسيق عربي أقله بين السعودية ومصر وسوريا، وبين هذا المثلث وإيران، وهي دول وازنة ولها تأثيرها على المكونات السياسية الاساسية في البلد. ولم يعرف حتى الآن إذا ما كان موسى سيعود مجدداً إلى بيروت.
ثالثاً: من يراقب حركة الدبلوماسية الدولية ولقاءات القمم بين الكبار، يلحظ بوضوح أن لبنان حاضر بقوة في قلب كل الاتصالات، وحتى في اسرائيل حيث يحظى الوضع اللبناني باهتمام ومتابعة دقيقة. على أن عودة الوضع اللبناني الى دائرة الضوء متصل بأمرين، الأول أن لبنان بات ساحة تجاذب بين محورين: إيراني ــ سوري ممانع للمشروع الأميركي المعد للمنطقة، الذي يحاول إلحاق لبنان أو استلحاقه به.
والأمر الثاني متصل بعمل القوات الدولية في الجنوب، وهي في أكثريتها تابعة للدول الأوروبية. وهناك نقاش يدور حول بقاء هذه القوات في ظل الوضع المتأزم واضطرار قيادة الجيش إلى سحب عدد من وحداتها لتتمكن من السيطرة على الأوضاع المتوترة وحماية السلم الأهلي، وهو أمر له محاذيره على وضع القوة الدولية التي جاءت أساساً لمساعدة الجيش على بسط سيادته على أرضه، وهذا ما يؤثر على انتشارها وقواعد عملها ويعرض القرار 1701 الى هزة قد تدفع ببعض الدول المشاركة الى سحب قواتها، ولا سيما أن بعض التقارير الاستخبارية تحدثت عن شبكات لقوى راديكالية دخلت الى لبنان، يخشى ان تفتعل اشكالات وصدامات مع هذه القوات لدفعها الى الانسحاب.
وفي معلومات لمصادر مسؤولة فإن الخطوط مفتوحة بين اميركا والعواصم الاوروبية لتجنيب ما ينتظر لبنان من مخاطر شبيهة بما يشهده العراق من نزاعات مذهبية دموية قد تمتد الى سائر ارجاء المنطقة. وبالانتظار سيبقى لبنان في دائرة الوقت المستقطع لمعرفة ما يجري في توازنات البيئة العربية الاقليمية الدولية وقد يطول الانتظار.