نقولا ناصيف
عبارتان مقتضبتان ودالّتان تبادلهما رئيس مجلس النواب نبيه بري والموفد السوداني مصطفى عثمان إسماعيل أمس، كافيتان لتقديم برهان كامل على إخفاق المسعى العربي لحل المأزق القائم بين الغالبية الحاكمة والمعارضة. قال الموفد السوداني لبري إنه تردّد في نقل الأفكار التي حمّله إياها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لاعتقاده أنها لا تشكّل حلاً يوافق عليه رئيس المجلس. وكشف له أنه أبلغ إلى السنيورة أنه لا يستطيع أن يحمل إلى رئيس المجلس أفكاراً كهذه. وقال بري لزائره السوداني: «أعتقد أنك قد تأتي السنة المقبلة في مثل هذه الأيام وترى أن الناس لا يزالون في الشارع».
مفاد ذلك معطيات تجمّعت في الساعات الأخيرة لا تبعث إلا على التشاؤم:
1 ــــــ حمل الموفد السوداني إلى رئيس المجلس خطة حلّ عرضها أمامه السنيورة خطياً وتقضي أبرز بنودها بسحب المعارضة من الشارع، ثم الانتقال إلى تسوية تجري داخل مجلس النواب، بحيث يصار إلى حلّ المشكلات العالقة داخله: المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تأليف حكومة وحدة وطنية. كان رفض بري للخطة قاطعاً بعدما وجد فيها محاولة لنقل الصراع من الشارع إلى داخل مجلس النواب وتعميم الاحتقان فيه سعياً إلى تفجيره من الداخل، بغية إكساب الحكومة شرعية تفتقر إليها، ودفع نواب المعارضة والغالبية إلى المواجهة المباشرة. في حين أن بري ينظر إلى دور المجلس على نحو آخر، كان قد أسرّ به البارحة إلى النائب غسان تويني حينما ناقشا سبل الحلّ. فأكد رئيس المجلس أنه يأمل الجلوس إلى طاولة حوار لمعالجة كل المشكلات والتوصّل إلى قرارات نهائية، ويدعو على الأثر مجلس النواب إلى الانعقاد لتكريس قانوني لما يكون قد اتفق عليه، ووضعه فوراً موضع التنفيذ.
يجد بري دور المجلس تتويجاً لما قد يتفق عليه، وليس تعطيل دوره من الشكوك والاتهامات التي تساق ضده، وخصوصاً في ضوء ما أورده عنه رئيس الحكومة. بل يقول إن المجلس لم يتأخر في الاضطلاع بدوره، وأقرّت لجانه في الأيام الأخيرة مشاريع تتصل بالخطة الإصلاحية والاقتصادية التي تعدّها الحكومة لمؤتمر باريس، وهو يلح على الحكومة لإحالة سواها عليه.
2 ــــــ انتهت مبادرة الموفد السوداني قبل أن تبدأ. حمل الجمعة الفائت (8 كانون الأول) أفكاراً برسم الحلّ إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فردّ الأخير بإبداء الاستعداد للانفتاح على أي مبادرة تتضمن تأليف حكومة وحدة وطنية بثلث ضامن للمعارضة، وطلب من زائره مراجعة الغالبية لمعرفة موقفها من المبادرة لمباشرة درسها فوراً. وخلافاً لما أشيع، لم يبلغ نصر الله إلى إسماعيل موافقته المسبقة. وبعد زيارته رئيس الغالبية النائب سعد الحريري خرج بانطباع أن الأخير لم يوصد أبواب الموافقة، وإن أبدى بعض التحفّظ. ثم قصد إسماعيل السنيورة الذي تريّث في إبداء موقفه بغية مناقشة المبادرة، على أن يعاود الاتصال به لاحقاً. اليوم التالي، السبت، خابر الموفد السوداني رئيس المجلس وأخبره بأنه لا يزال ينتظر جواب السنيورة كي ينقله إليه، قبل أن يغادر إلى دمشق في الثالثة بعد الظهر. لم يحضر إسماعيل إلى عين التينة، فاستنتج بري أنه لم يتلقَّ جواب رئيس الحكومة. الأحد 10 كانون الأول، تلقى الموفد السوداني، وهو في دمشق مكالمة هاتفية من مستشار السنيورة السفير محمد شطح الذي طلب إليه العودة إلى بيروت. في طريق عودته تحدّث إسماعيل إلى إحدى الفضائيات العربية عاكساً انطباعاً إيجابياً عن حلّ وشيك من جراء تقديره دوافع الاتصال الذي تلقاه من شطح باسم رئيس الحكومة اللبنانية. السادسة مساء تلقى بري من السفير السوداني جمال إبراهيم اتصالاً يرغب في تحديد موعد لاستقبال الموفد العائد من العاصمة السورية.
3 ــــــ لم يحصل الموفد السوداني في دمشق على أي موقف إيجابي يمكّنه من الاعتقاد بالتوصّل إلى حلّ عبر ضغط القيادة السورية على حلفائها اللبنانيين. ويبدو بالنسبة إلى رئيس المجلس أن مفتاح الحلّ واحد، وهو توجيه الاهتمام نحو العلاقات السعودية ــ السورية سبيلاً إلى معالجة المأزق اللبناني.
4 ـــــــ استخلص رئيس المجلس من خطة السنيورة التي حملها إليه إسماعيل أنها «لا تعيدنا إلى الوراء أشواطاً طويلة فحسب، بل هي مشروع تدميري بات الآن يستهدف مجلس النواب بالذات عبر إقحامه في المواجهة وتعريضه للاحتقانين السياسي والمذهبي». ولاحظ أن التعرّض للمجلس «متعمّد، وهو الذي كان حتى الساعة خارج دائرة الصراع بين الحكومة والمعارضة». ولا يتردد بري في الاعتقاد بأن الغالبية تريد أن تحوّل مشروع المحكمة الدولية مادة ابتزاز من أجل أن تخيّر الآخرين: «مَن ليس معها فهو ضد المحكمة حكماً». ووجد في خطة السنيورة مزيداً من أسباب العرقلة لمنع التوصّل إلى حل، وسأل الموفد السوداني: «كيف يمكن عقد جلسة لمجلس النواب لمناقشة مشروع المحكمة الدولية الذي لم يصل إلى المجلس بعد؟ وكيف يمكن مناقشته من دون خمسة تواقيع توجبها الإحالة القانونية للمشروع تبعاً للأصول الدستورية، وهي تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزراء الخارجية والعدل والمال؟ كل ذلك ولم نخض بعد في هل رئيس الجمهورية فاوض في وضع المشروع أم لا؟ كذلك الأمر بالنسبة إلى مناقشة انتخابات رئاسة الجمهورية قبل المهلة الدستورية، فضلاً أن انتخاب رئيس للجمهورية يتطلّب جلسة انتخابية لا يُبحث فيها أمر آخر. وهكذا، في جلسة نيابية يريدون في بساطة قياسية الاتفاق حالاً على اسم رئيس جديد للجمهورية. أما موضوع حكومة وحدة وطنية مع وزير يُمنع عنه التصويت في كل مرة يجري التصويت، ويُمنع من الاستقالة، فهي مخالفة فاضحة للدستور الذي يحصر في مجلس الوزراء عدم التصويت برئيس الجمهورية فقط عندما يحضر، في حين أن التصويت يدخل في صلب صلاحيات الوزير ودوره».
وأضاف بري لزائره: «يقولون إننا نخالف الدستور واتفاق الطائف. والواضح أنهم هم باقتراحاتهم هذه يخالفون الدستور واتفاق الطائف معاً».
خلاصة موقف بري، مع تسارع الجهود العربية واستنزاف الأفكار المتناقلة من يد إلى أخرى، أن المعارضة ستبقى طويلاً في الشارع «وإذا كان ثمة من يراهن على تعب الناس، فرهانه خاسر».
أبواب التسوية السياسية، لبنانياً وعربياً، موصدة تماماً إذاً. والجهود العربية مع مجيء الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى بيروت اليوم باتت غير ذات جدوى، حتى الساعات الماضية على الأقل.