إبراهيم الأمين
كما كان متوقعاً، لم يرد في تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس أي جديد استثنائي بما خص خلاصات التحقيق في الجريمة الإرهابية الأكبر في لبنان التي أدت إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدد كبير من المواطنين. وبدا في التقرير أن القاضي الذي مددت مهمته لستة أشهر إضافية يحتاج إلى وقت أطول للوصول إلى مرحلة إعداد لائحة اتهامية. وبرغم أنه يكرر في تقاريره وفي محادثاته الخاصة، على ندرتها، أنه لن يورد في أي من تقاريره معلومات مفصلة عن التحقيقات ولا عن الأسماء التي يشتبه بتورطها أو بعلاقتها بالجريمة، فإنه لم يصل بعد إلى خلاصات حاسمة تخوله تقدير الوضع، بما يسمح له بإعداد قرار اتهامي. وهو حال فريق التحقيق اللبناني الذي كان حتى مساء أمس يقول إنه بانتظار الجديد من اللجنة الدولية، علماً بأن المعلومات المتقاطعة لدى أكثر من مصدر تشير إلى الآتي:
أولاً: إن آلية إعداد نظام المحكمة ذات الطابع الدولي تتطلب حكماً صدور قرار عن لبنان، وإن مطلب قوى السلطة وعلى رأسها النائب وليد جنبلاط بترك الأمر لمجلس الأمن الدولي دونه عقبات سياسية وقانونية، علماً بأن جنبلاط كان قد أسرّ أخيراً أمام مرجعيتين: سياسية وإعلامية، بأن ما ينتظره من قرار إنشاء المحكمة لا يتعدى استعمال ورقة ضغط بغية تحقيق ما يسميه هو “التوازن مع القاتل” وهو يستفيض في شرح نظريته بالقول: “أعطونا المحكمة الدولية ونقيم تسوية مع سوريا. وإنه في حال أمسك بيده بقانون المحكمة يمكنه أن يقنع سعد الحريري بوضع حد للملاحقة وإسقاط الحق الشخصي والذهاب نحو تسوية سياسية”. ومع أن جنبلاط يظهر قلة اهتمامه بالآخرين، فهو يسارع إلى القول أيضاً: “كما أنني مستعد للضغط مع الحريري لإزالة أية بنود من شأنها إثارة حفيظة أو قلق حزب الله من نص المحكمة”.
ثانياً: ورود معلومات من مصادر دبلوماسية غربية في الولايات المتحدة الأميركية تفيد بوجود “قلق وحذر” لدى الإدارة الأميركية حيال ملف المحكمة. وإن هناك شعوراً لدى المسؤولين الأميركيين بأن روسيا لن توافق على إصدار قرار خاص من مجلس الأمن دون الحصول على تغطية لبنانية سياسية ودستورية. وإن في واشنطن قلقاً متزايداً من احتمال عدم قدرة الحلفاء في بيروت على تحقيق هذا، وهو ما يتطلب الضغط بقوة أكبر على المجلس النيابي إذا تم تجاهل اعتراضات الرئيس إميل لحود”.
ثالثاً: الشروع في وضع استراتيجية جديدة لمواجهة آلية عمل المحقق الدولي، وكان اللافت انضمام الرئيس السابق للجنة التحقيق القاضي الألماني ديتليف ميليس إلى هذه الحملة من خلال ما سربه قبل مدة إلى مجلة شتيرن الألمانية مباشرة وبواسطة مساعده ونائبه السابق ورجل الأمن غيرهارد ليمان وإطلاق حملة تقول بأن براميرتس ارتكب الكثير من الأخطاء ومن بينها نقل معلومات سرية إلى سوريا من خلال دبلوماسيين في الأمم المتحدة وتخليه عن استراتيجية الضغط المباشر والمتواصل على القيادة السورية، وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد، وإهماله العديد من العناصر التي تفتح الباب أمام استدراج العديد من رجال الأمن السوريين الذين يقدر ميليس أن بمقدورهم تقديم معلومات حاسمة تفيد التحقيق.
رابعاً: حصول تبدلات كبيرة في فريق التحقيق العامل مع براميرتس، وهو الأمر الذي تلقاه ميليس وآخرون على أنه إشارة إلى رغبة فريق من المحققين بعدم الاستمرار للعمل مع المحقق الجديد. وإن ميليس يجد فرصة في العودة إلى عمله إذا حصل على دعم من قبل الجهات المعنية في لبنان وفي الأمم المتحدة أيضاً.
خامساً: توافر معلومات عن توسع التحقيق الدولي باتجاه مجموعة أصولية موجودة الآن في السجون اللبنانية، وعلم أن لجنة التحقيق أجرت تحقيقات مستقلة مع أفراد هذه المجموعة وأجرت مقارنة بين ما حصلت عليه من أجوبة ومعلومات، وما وصلها من الجانب اللبناني، علماً بأن الفريق الأمني اللبناني المعني بالملف كرر مراراً أنه لم يجد أي رابط بين هؤلاء والجريمة، وأنه ليس هناك علاقة أكيدة بين هذه المجموعة وأحد زملاء أحمد أبو عدس الذي ظهر في شريط الفيديو يعلن المسؤولية عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري. علماً بأن براميرتز كرر في تقريره أمس أنه يواصل التحقيق في وضعية هذا الرجل وعلاقاته قبل الجريمة، وأجرى تحقيقات مكثفة في لبنان وسوريا لهذه الغاية. ودرس مقربون من براميرتز في لقاءات ذات “طابع سياسي بحثي” نوع العلاقات التي تربط الجماعات الأصولية المتطرفة والرئيس الحريري من جهة وعلاقات هذه المجموعات مع سوريا من جهة ثانية.
على أن الجانب الآخر الخاص بالتحقيقات يتصل بالموقوفين في لبنان، ولا سيما الضباط الأربعة. وحيث كان المحقق العدلي إلياس عيد قد أخر مراراً البتّ بأمر هؤلاء، ربطاً بأنه ينتظر الحصول على كامل عناصر الملف من المحقق الدولي، وأنه يريد أن يستبدل مقابلة الشاهدين محمد زهير الصديق وهسام هسام بتقييم وتحليل يقدمه فريق التحقيق الدولي. ومع أن عيد كان قد نفى حصوله على كل الملف، إلا أن براميرتس أورد في تقريره بالأمس في الفقرة 96 بأنه أرسل تقريراً تحليلياً عن صدقية أحد الشهود ( محمد زهير الصديق) وأنه سلم النيابة العامة التمييزية في لبنان والمحقق العدلي المعني كل ما لديه في هذا المجال “وإن هذه العملية تتمتع بأهمية خاصة، حيث إن المعلومات تتعلق بأشخاص موقوفين، وقد تساعد السلطات القضائية اللبنانية الخطوات التي تعتبرها مناسبة أو ضرورية لناحية التوقيف”.
وقد جاءت خطوة براميرتس هذه بعدما تلقى قبلاً طلبات من فريق الدفاع عن الضباط الأربعة ولا سيما من فريق الدفاع اللبناني والفرنسي عن اللواء جميل السيد. وكان جوابه أنه بصدد إعداد تقرير نهائي يسلمه إلى القضاء اللبناني وأنه ليس لديه أي سلطة للتوقيف أو الإفراج عن أحد. وهو يرى أن التوصية السابقة التي أصدرها سلفه ميليس غير قانونية وأنه ليس في صدد إصدار توصية أخرى لأنها مخالفة أيضاً للقانون.
وإذا كان براميرتس قد أنهى هذا الفصل، فإن المبادرة باتت الآن بيد المحقق إلياس عيد الذي لم يعد لديه ما يخفيه، وهو إما أن يواجه السيد ورفاقه بما لديه من أسباب توجب استمرار توقيفهم أو يعمد إلى اتخاذ قرار مخالف. علماً بأن جهات حقوقية دولية ومحلية باتت الآن تنتظر خطوة القاضي عيد قبل أن تتخذ قراراً بشن حملة إعلامية أو رفع دعوى قضائية ضده، ولا سيما أن الأمر يترافق مع استعداد قوى سياسية نافذة جداً في لبنان للاقتراب من خطوة في هذا الاتجاه.