طارق ترشيشي
كانت الأكثرية الحاكمة ولا تزال منذ توقف العدوان الإسرائيلي على لبنان منتصف آب الماضي تلعب لعبة «شراء الوقت» هروباً من «سقوط محتم لها» او على الأقل هروباً مما فرضته نتائج هذا العدوان من استحقاقات داخلية تفرض على الاقل إعادة نظر، إن لم يكن تغييراً في الوضع الحكومي، في ضوء الأداء الرديء (من وجهة نظر المعارضة) الذي كان للحكومة إزاء هذا العدوان على الرغم من أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سمَّاها «حكومة المقاومة السياسية» للعدوان بعد أيام من انتهائه.
وقد استغلت الأكثرية ولا تزال تسمية بري هذه لحكومتها لترد تهمة «التواطؤ» مع العدوان التي توجهها إليها المعارضة من جهة، ولإطالة عمر حكومتها التي انقصم ظهرها نتيجة استقالة الوزراء الشيعة منها من جهة ثانية، وذلك في انتظار أن تترجم الولايات المتحدة وفرنسا بيانات الدعم المتلاحقة لها، وكذلك في انتظار ما سيؤول اليه الموقف الاميركي من التطورات الإقليمية بعد توصيات لجنة بايكر ـــ هاملتون.
ويبدو أن الاكثرية ستستغل زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى موسكو التي أعلن عنها أمس لشراء مزيد من الوقت للهروب من تجرع كأس شراكة مع المعارضة في الحكومة تكون على أساس «الثلث الضامن» الذي تطلبه الأخيرة. وتفيد المعلومات أن السنيورة سعى منذ أسبوعين لدى الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طالباً وساطتهم لدى القيادة الروسية لاستقباله فيما هي تستعد لاستقبال الرئيس السوري بشار الاسد في 19 من الجاري. وتضيف المعلومات أن السنيورة يريد من هذه الزيارة التي سيرافقه فيها الوزيران شارل رزق وطارق متري أولاً القوطبة على زيارة الأسد، وثانياً البحث مع الجانب الروسي في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي كان لموسكو ولا يزال ملاحظات وتحفظات متعددة عليها. وسيلتقي السنيورة والوفد المرافق له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف.
في المقابل فإن المعارضة تتصرف مرتاحة الى عامل الوقت «واثقة» بأنها ستحقق ما تصبو إليه عاجلاً أم آجلاً من مشاركة فعالة عبر «الثلث الضامن» في القرار الى جانب الاكثرية سواء بتعديل الحكومة الحالية أو توسيعها او عبر تغيير شامل يبدأ بإسقاط هذه الحكومة والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة. وهي ترى أن عامل الوقت يلعب لمصلحتها فهي كانت بعد توقف العدوان وإحباط رجال المقاومة أهدافه وقبل تقرير بايكر ـــ هاملتون تستعجل الخطوات لتحقيق ما ترمي اليه، أما اليوم فإنها لم تعد مستعجلة ويدل على ذلك النفس الطويل الذي تعبّر عنه بالتأكيد أن تحركها في الشارع وغيره سيستمر أشهراً او سنة حتى تتألّف حكومة الوحدة الوطنية التي تطالب بها.
في هذا السياق يقول مصدر قيادي معارض: «إن المعارضة عبرت عن موقفها ومطالبها بوتائر متنوعة، لكنها لم تقفل باب التسوية مع الاكثرية الحاكمة لأنها ترى نفسها «أُمّ الصبي» ولكن اذا كان هناك من يعتقد أنه بعد انتصار المقاومة وصمودها في وجه الخطة الأميركية التي عبّر عنها العدوان الاسرائيلي، بعد الاحتشاد الشعبي المليوني حول مشروعية مطالب المعارضة، انه يستطيع أن يهزمنا في المعركة فهو واهم. ولكن هذا لا يعني أننا نريد أن نلغي غيرنا». ويضيف «إن مهارة الرئيس السنيورة في اللعب على عامل الوقت علَّه يُعدِّل في موازين المواجهة السياسية الديموقراطية عبر استدعاء الموفدين العرب للإيحاء بأن هناك تفاوضاً وأخذاً ورداً، لن تؤدي الى نتيجة لأن المعارضة تدرك ان الاكثرية تريد من خلال ذلك منعها من رفع وتيرة المواجهة السياسية ضدها».
ويخلص هذا القيادي المعارض الى القول إنه «إذا كان الرئيس السنيورة يريد أن يوافق على مطلب المعارضة المشاركة بـ «الثلث الضامن» ويحتاج الى مخرج غير مُحرِج فإننا مستعدون لأن نؤمن له هذا المخرج عبر ما يطرحه من صيغ لتوزيع الحصص الوزارية بين الاكثرية والمعارضة. أما اذا كانت الغاية من هذه الصيغ منع المعارضة من المشاركة المؤثرة في القرار فإن السنيورة يدرك ان ما يسمى «الوزير الملك» او «الوزراء الملوك» لا مكان له في الدستور وأن ليس هناك وزير في الحكومة لا يحق له التصويت في جلسات مجلس الوزراء».