أنطون الخوري حرب
في ظل الصخب السياسي المستعر في البلاد، يكاد يضيع عنوان المعركة الأساسي، الذي لا يبدو ان القوى المتواجهة تجرؤ على مقاربته أسوة ببقية العناوين المعلنة كالثلث الضامن وقانون الانتخابات النيابية، فيما موضوع تغيير رئيس الجمهورية يهيمن بقوة على فريق السلطة، ويشكل بنداً رئيساً في جداول أعمال جلسات الحوار ومن بعدها جلسات التشاور، ومن ثم المبادرات العربية لحل الأزمة.
فبعد الاتفاق على حسم موضوع التغيير الرئاسي سلباً خلال جلسات الحوار التي بدأت في الثاني من آذار 2006، والاتفاق على عدم العودة الى مناقشته أو إثارته سواء على طاولة الحوار أو خارجها، عاد مطلب التغيير الرئاسي الى صدارة اهتمامات فريق السلطة وتمكّن من فرضه في جلسات التشاور التي حدّد الرئيس نبيه برّي جدول أعمالها ببندي التغيير الحكومي وقانون الانتخاب، فحوّل فريق البريستوليين الموضوع الرئاسي مادة أساسية للمقايضة بمطلب التغيير الحكومي مع المعارضة، الى حد استعداد النائب سعد الحريري للتنازل عن كل شيء مقابل الحصول على الرئاسة، إضافة الى المحكمة ذات الطابع الدولي.
وبعد انطلاق تحرك المعارضة الشعبي على قاعدة المطالبة بالثلث الضامن في الحكومة، أصبح موقف السلطة ميّالاً للتضحية بموقع الرئيس فؤاد السنيورة في رئاسة الحكومة، في مقابل الحصول على موقع الرئيس إميل لحود في رئاسة الجمهورية. ولم يكن غريباً ان تستمر السلطة بالسعي الى تنحية رئيس الجمهورية كلما اقتربت نهاية ولايته، ولا ان تطرحه مادةً للتسوية فيما لم يتبقّ له في الرئاسة أكثر من عشرة أشهر.
فبعد جلسات الحوار الأولى أعلن النائب وليد جنبلاط ان موضوع الرئاسة طوي وعلى الحكومة ان تركّز على الوضع الاقتصادي، لكن الأمر لم يتعدّ إطار المناورة لتضليل الخصم والتحضير لجولة ثانية. لكن جوهر الأزمة يكمن حصراً في موضوع التغيير الرئاسي، وهو السبب الأساسي لرفض السلطة إعطاء المعارضة الثلث الضامن، وإلاّ لما وصلت الأزمة الى هذا القدر من التعقيد.
ففي 24 تشرين الثاني 2007 تنتهي ولاية الرئيس إميل لحود، ويكون مجلس النواب قد دخل الفترة الدستورية لانتخاب رئيس جديد بدءاً من 24 أيلول 2007، ولا تكون دعوة رئيس مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية دستورية ما لم تنعقد بنصاب ثلثي أعضاء الهيئة الناخبة، أي 86 نائباً من أصل 128 هم أعضاء البرلمان. وإذ لا تستطيع السلطة ولا المعارضة حشد العدد المطلوب، يصبح موقع الرئاسة مهدداً بالشغور. وبما ان الجوّ الانقسامي يبشّر بتفاقم الصراع وصولاً الى الاستحقاق الرئاسي، يبدو مرجّحاً أن تصبح كرسي الرئاسة شاغرة بعد 24 تشرين الثاني.
وبحسب رئيس مجلس شورى الدولة السابق الدكتور يوسف سعد الله الخوري، فإن الحكومة ستلجأ الى تطبيق المادة 62 من الدستور التي تنص على وجوب إناطة صلاحيات الرئاسة الأولى الشاغرة بالحكومة ورئيسها، لتتحول حكومة انتقالية مهمتها توفير انتخاب رئيس للجمهورية. وإذا لم يكن للمعارضة الثلث الوزاري المعطّل، فإن الرئيس فؤاد السنيورة سيوقّع للحكومة كل ما لم ولن يوقّعه الرئيس لحود، وخصوصاً مرسوم انتخاب مجلس دستوري جديد من جانب الأكثرية ليعطيها استشارة دستورية تستند الى نظرية الظروف الاستثنائية لانتخاب رئيس جمهورية بأكثرية أعضاء البرلمان بدل الثلثين وبتأييد دولي عارم. وبذلك تكون المعارضة قد هزمت بالكامل.
وبناءً على ما سبق، فإن منطق التسوية يلزم المعارضة بالتخلّي عن بعض مطالبها في مفاوضات ومبادرات حل الأزمة، ولكن لا يمكنها ان تساوم على مطلبي الثلث الضامن والانتخابات المبكرة وفقاً لقانون انتخابي عادل، وقد يكون من الأفضل للمعارضة ان تقايض مطلب الثلث الضامن بالانتخابات النيابية المبكرة للوصول الى استحقاق رئاسي عادل ينهي أزمة الإجحاف التمثيلي عند المسيحيين في الرئاسة الأولى أسوة ببقية الطوائف، فتعود اللعبة السياسية الى الأصول والأعراف الدستورية، وتوفر المشاركة المتكافئة على قاعدة الديموقراطية التوافقية التوازن الوطني المطلوب. وهذا المسار لا يؤدي الى معادلة لا غالب ولا مغلوب، بل الى انتصار مبدأ الوفاق على منطق الانتصار على الفريق الآخر بالاستقواء بالخارج. فهل من يتذكر أن هذه القاعدة هي التي فجّرت الحرب اللبنانية عام 1975؟