strong>عمر نشابة
التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وآخرين يتقدّم، ورئيس لجنة التحقيق الدولية الحالي سيرج براميرتس يلتزم بالمعايير القانونية والمهنية بدقّة متناهية. وفي تقريره الأخير أربع فقرات لافتة ينبغي التوقف عندها

نُشر أمس التقرير السادس للجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الـ14. ويتضمّن التقرير 119 فقرة، تصف التقدم في التحقيقات والمساعدة التقنية التي تقدمها اللجنة الى سلطات التحقيق اللبنانية وتبحث في مدى التعاون الخارجي مع طلبات اللجنة وحاجاتها. وبرزت في التقرير أربع فقرات تميّزت بأهمية خاصة لكونها تتعلّق بحيثيات التحقيق وبأسلوب عمل اللجنة وبمدى تعاون الدول معها وبمصير أشخاص موقوفين، استناداً لإفادات شهود استجوبتهم اللجنة برئاسة ديتليف ميليس سابقاً.

الفقرة 59: دوافع مموّهة؟

نصّت الفقرة على أن اللجنة تبحث في «فرضية أخرى قيد الاعتبار، وهي أنه استخدمت دوافع تبدو واضحة من قبل الضالعين في الاغتيال كغطاء مناسب، مع وجود قصد دفع أفراد آخرين إلى واجهة الاتهام». وهذه الفرضية لم تذكرها التقارير السابقة للجنة، بينما ذكر عدد كبير من الفرضيات الأخرى ومنها فرضية أن يكون الجانب المالي والشخصي جزءاً من دوافع الاغتيال. ولكن يبدو أن براميرتس قرّر التستر عن ذكر هذا الجانب وفضّل استبداله بصيغة تشير الى احتمال مخطط تمويهي للدوافع الحقيقية. أي من المحتمل أن القاتل الحقيقي يعي جيداً أن أصابع الاتهام ستتوجه نحو سوريا وحلفائها تلقائياً (كما حصل)، ما يسهّل عليه الإفلات من العدالة، خصوصاً بعد أن صرّح رئيس لجنة التحقيق السابق ميليس الى جريدة «الشرق الأوسط» في 17 كانون الأول 2005 أنه «واثق أن سوريا وراء اغتيال الحريري». وقد يعدّ ذلك، عن قصد أو غير قصد، خدمة لإخفاء قاتل محتمل.

الفقرة 96: تقويم سلبي لشاهد؟

ذكرت الفقرة تقريراً تحليلياً عن مدى صدقية شاهد (لم تذكر اسمه، لكن المرجح أنه محمد زهير الصديق الذي كان ميليس قد ذكر في تقريريه السابقين أن هناك تناقضاً في إفاداته) «رُفع حديثاً الى المدعي العام وقاضي التحقيق في قضية اغتيال الحريري. وترى اللجنة هذا التنسيق في غاية الأهمية، وخصوصاً لكون هذا التقرير يتعلّق بشخص محتجز لدى السلطات اللبنانية. إذ قد يساعد التقرير هذه السلطات في اتخاذ إجراءات تراها مناسبة أو ضرورية تتعلّق بالشخص المحتجز لديها». ويبدو أن «الشخص المحتجز» هو اللواء الركن جميل السيد الموقوف في سجن رومية المركزي منذ أكثر من عام، بناءً على توصية ميليس التي يذكر فيها أن سبب التوقيف هو إفادتا الصديق وهسام هسام («الأخبار» نشرت المستند في عدد سابق). وكان أكرم عازوري محامي السيد قد طلب خطياً مراراً وتكراراً من القضاء اللبناني ردّ مذكرة التوقيف بحقّ موكله بسبب عدم صدقية الشهود وعدم وجود أدلة تسمح بتوقيفه بحسب المعايير القانونية والمهنية. وبينما يلاحظ المتابعون أن اللجنة برئاسة ميليس لم تحترم هذه المعايير في جوانب عديدة من عملها وفي صياغة نصّ تقريريها، يبدو التزام اللجنة برئاسة براميرتس بمقتضيات تلك المعايير أساسياً وملزماً. وعلى هذا الأساس، من المفترض أن تخضع السلطة القضائية المحلية والدولية للمساءلة والمحاسبة. وإذا تبيّن أنه تمّ توقيف شخص من دون الالتزام بالمعايير القانونية، فيفترض أن تسدّد التعويضات المالية والمعنوية. وقد يتّهم القاضي بمخالفة القانون والأصول القضائية، وفي هذه الحالة يطلق تحقيق آخر لتبيان دوافع المخالفة المحتملة.

الفقرة 103: عدم تعاون 10 دول

كشفت هذه الفقرة أن بعض الدول «تجاوبت بشكل غير كامل أو بتلكؤ، أو لم تتجاوب قط. في نهاية مرحلة إعداد التقرير، انتهى أجل 22 طلباً وجّهتها اللجنة إلى عشر دول أعضاء. إنّ لغياب التجاوب هذا من بعض الدول تأثيراً سلبياً على انتهاء عمل اللجنة وتقدّم عملية التحقيق». ولا تعدّ سوريا من بين هذه الدول لأن التقرير يصف التعاون السوري مع اللجنة بالـ«فعّال» ويذكر أنه جاء دون أي تأخير أو تلكؤ. من هي هذه الدول؟ ولماذا ترفض التعاون مع التحقيق في جريمة اغتيال الحريري وآخرين؟ من المرجح أن يجيب براميرتس عن السؤال الأول في جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي، لكن الجواب عن السؤال الثاني يتطلّب تحقيقاً قضائياً يتخلّله تحليل سياسي ومالي. ومن المحتمل أن يكون مثلاً سبب عدم تعاون دولة ما، هو الفساد الإداري في مؤسساتها القضائية أو ربما مصالح سياسية في لبنان مرتبطة بتحالفات مع جهة سياسية محلّية أو تناغم مع توجّه إقليمي معيّن. وبعيداً عن كلّ هذه التكهّنات، يبقى سؤالان يطرحهما المتابعون: لماذا لم تسلّم فرنسا الصدّيق للجنة التحقيق الدولية عندما كان مقرّها المؤقت في قبرص (حيث لا اعدام)؟ ولماذا لا تسلّم السلطات البرازيلية رنا قليلات الضالعة في قضية بنك المدينة، بحيث ذكرت تقارير لجنة التحقيق أنه من المحتمل ربط قضية بنك المدينة بدوافع الجريمة؟
الفقرة 10: إدانة لميليس؟

ترى اللجنة في هذه الفقرة «أن إعلان أي معلومات متعلقة بالشهود والمشتبه فيهم مخالفة لمبادئ العدالة والإنصاف، وقد تضرّ بهدف أي حالة تعرض أمام المحاكمة، وقد تكون مؤذية لها». ألم تكن تلك الرؤية للجنة التحقيق صالحة عندما نشرت تقريرها الأول؟ إن المعايير القانونية الدولية تفرض السرية في التحقيقات وخصوصاً في ما يتعلّق بمضمون إفادات الشهود في كلّ مراحل التحقيق، مع غياب برنامج لحماية الشهود. لقد خالفت لجنة التحقيق في تقريرها الأول هذا المبدأ الأساسي بنشرها إفادات شهود وبكشفها عن هويتهم. ألم يعرّضهم ذلك لخطر الاغتيال؟ والسؤال هنا: هل ستحقّق اللجنة في احتمال تعرّض النائب والصحافي جبران تويني للاغتيال بسبب نشر اللجنة إفادته في تقريرها الأول؟