جان عزيز
رغم كل التكتم الذي حرص الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، على إحاطة مهمته به، تؤكد أوساط سياسية متابعة للملف، أن التفاصيل والحيثيات باتت واضحة معروفة، إنْ لجهة مواضع الحلحلة والتفاؤل، أو لجهة نقاط التعقيد المستمر والتشاؤم الممكن.
نسبة الخمسين في المئة من الأمل التي أشاعها موسى عقب تحركه المكوكي، تُعزى بحسب الأوساط نفسها، الى سببين اثنين: أولاً التشجيع الكلامي الذي لقيه من جانب الجميع على الاستمرار في مساعيه، وثانياً التوافق المبدئي الذي توصّل إليه المسؤول العربي بين السلطة والمعارضة اللبنانيتين، على قراءة مشتركة لنصف المشكلة العالقة. وهو النصف المتعلق بثلاث نقاط خلافية، وهي النقاط المتعلقة بالمحكمة ذات الطابع الدولي، حكومة الوفاق الوطني، واعتصام المعارضة المستمر منذ أسبوعين في وسط بيروت.
وبات معروفاً أن التوافق المبدئي الذي تبيّن لموسى أنه ممكن التحقّق حول النقاط الثلاث المذكورة، يقوم على طرح التزامن الدقيق والكامل في إقرارها، بحيث يقر قانون في مجلس النواب يجيز للحكومة اللبنانية إبرام معاهدة المحكمة الدولية، ويعلن إنهاء اعتصام المعارضة، وتوسّع الحكومة الحالية، في آن واحد وفي شكل متلازم بالتمام.
وبات معروفاً أيضاً، تضيف الأوساط نفسها، أن صيغة التعديل الحكومي التي تبنّاها موسى في إطار حلّه النصفي، تقوم على معادلة 19 وزيراً للسلطة و10 للمعارضة ووزير أخير مستقل، تسمّيه المعارضة وتوافق على تسميته السلطة، على أن يعتبر المرشح الثالث لهذا المقعد وزيراً حكماً، إذا رُفض المرشحان الأوّلان، وعلى أن تُعتمد معايير الحياد والاستقلال نفسها في اقتراح المرشحين الثلاثة لهذا المقعد.
ورغم أن هذا النصف «المحلول» من متاهة الأزمة، ظلّ في مقاربة موسى ضمن إطار العناوين العامة ولم يخض في التفاصيل، فإن مسحة التشاؤم أرخت بثقلها عند الوصول الى النصف الثاني المتعلق بمسألتي الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتكشف الأوساط نفسها في هذا المجال، أن قوى السلطة وقعت في حال إرباك شديد، نتيجة الإجماع الشكلي حول المبادرة التي شكلتها «ثوابت الكنيسة المارونية»، المعلنة من بكركي يوم الأربعاء في السادس من الشهر الجاري. والتي اضطر السلطويون الى تأييدها مناورة. ذلك أن هذه الثوابت حدّدت ترتيباً زمنياً واضحاً لرؤية الصرح حيال «معالجة الأمور الملحّة»، فأوردت في فقرتها الرابعة «تأليف حكومة وفاق». وفي الخامسة «إجراء انتخابات مسبّقة»، على أساس «قانون جديد للانتخاب على أساس الدوائر الصغرى»، تجريها «حكومة من مستقلين»، لتورد في الفقرة السادسة، العمل على «إيجاد حل لواقع رئاسة الجمهورية»، عبر «تقريب موعد الانتخاب».
وتؤكد الأوساط نفسها أن مأزق السلطة ازداد بعد تبني موسى مبادرة بكركي وإعلان تأييده الكامل لها. وتكشف أن بعض أركان السلطة حاول التلويح للأمين العام بالسعي لدى بكركي لإقناعها بإعادة النظر في هذه الأولويات. وهو ما رفضه موسى رفضاً قاطعاً، معتبراً أن هذا الطرح يقع ضمن وجهة نظر أحد أطراف الصراع، وهو لا يمكنه بالتالي تبنّيه أو العمل على تسويقه، وخصوصاً لدى الصرح البطريركي الماروني.
وتكشف الأوساط نفسها أنه حيال امتناع موسى، تصدّى السلطويون أنفسهم لهذه المهمة. فتناوب على زيارة بكركي معظمهم، للمطالبة بإدراج الانتخاب الرئاسي قبل النيابي. وبلغ الأمر في لقاء بين صاحب الغبطة وكتلة نيابية حزبية مشاركة في السلطة حدّ الكلام الصريح. إذ قالت شخصية نيابية لسيد بكركي: هذا الترتيب يزكّي طرح المعارضة، ونطلب منكم إعادة النظر فيه. فرد غبطته: «ما كُتب قد كُتب».
غير أن النقطة الأهم في هذه المسألة، كما تتابع الأوساط نفسها، هي أن طرح تقديم الاستحقاق الرئاسي على النيابي، يؤدي واقعياً الى مأزق.
وتشرح، لو سلّمنا جدلاً أن المعارضة وافقت على انتخاب رئيس جديد قبل الانتخابات النيابية، فإن المسألة ستصطدم حتماً برفض الرئيس إميل لحود التنحّي والاستقالة. وهي فرضية باتت محسومة. وبالتالي إما أن تعمد السلطة في هذه الحال الى تحميل المعارضين مسؤولية إخفاق التسوية، وإما أن يتفق الطرفان على تخطي لحود باللجوء الى تقصير الولاية الممددة، عبر تعديل دستوري. وفي هذه الحال يستحيل إقرار تعديل كهذا على أساس المادة 76 من الدستور، أي «بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية»، ولا يعود أمام التسوية المفترضة إلا اللجوء الى تعديل الدستور وفق آلية المادة 77 منه، أي «بناءً على طلب مجلس النواب»، وهي آلية معقّدة، تقتضي انتظار عقد عادي للمجلس النيابي. علماً أن العقد الحالي تنتهي مدته بعد أسبوعين، فيما العقد التالي يبدأ في 20 آذار 2007. وإذا قدم اقتراح التعديل وفق تلك المادة في حينه، تظل لرئيس الجمهورية القدرة على تأخيره مدة تراوح بين شهرين وثلاثة، بحسب أكثر الاجتهادات تفاؤلاً.
ما يعني أن الحل المطلوب وفق هذه الآلية، لا يكون جاهزاً فعلياً إلا قبل انتهاء الولاية الرئاسية الممددة بأربعة أشهر فقط. فهل هذا ما تريده السلطة؟
هكذا تخلص الأوساط الى توقّع التعثّر المتجدد للمبادرة العربية، من دون إعلان الفشل، ومن دون تحقيق الحل، لأن القرار الفعلي يقع خارج حدود لبنان، وفق نظرية «السيادة النسبية» التي تربّى عليها حكام الاستقلال الثاني. ذلك أنه صحيح أن غازي كنعان قد مات، لكن الصحيح أكثر أن مفتاح بيروت لم يستردّه بائعوه، ولا يبدون في هذا الوارد.