ديالا عمّار *
ذكر تقرير لجنة التحقيق الدولية الأخير «أبو عدس» في 11 فقرة تضمّنت معلومات عن استمرار التحقيقات والبحث عنه وتحديد دوره وعلاقاته وشخصيته. قامت «الأخبار» بتحقيق تقني تحليلي مواز يركّز على كشف «لغة الجسد» التي تبرز في الشريط الذي بثّته قناة «الجزيرة» والذي يعلن فيه دوره في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
بعد مشاهدة الشريط عدة مرات والتركيز على جوانب محدّدة من وجه وجسم أبو عدس، توصّلنا الى بعض الاستنتاجات المثيرة التي قد تكون مهمة في حل جزء من الغموض الذي يلف القضية.
أظهر أبو عدس بعض الصفات التي تعكس الخداع. بالإجمال، من يحاول خداع الآخرين يَحْتَج إلى التفكير أكثر في ما يفعله ويقوله وعادة ما يُشغل بضرورة التستر (من خلال المبالغة في التصرف أو إظهار اللا مبالاة). في حالة أبو عدس نراه يحاول إظهار لامبالاته وخاصة من خلال السيطرة على حركات جسده واعتماد نبرة صوت رتيبة. كما أن خداع الناس قد يؤدي إلى الاندفاع والتوقف عن الكلام والتردد عندما يفكر المرء في ما سيقوله. يبدو واضحاً أن أبو عدس يتردد في الحديث ويتوقف ثلاث مرات مع إغماض عينيه (05:17، 18:18، 26:16)، حين يحاول الأشخاص الكذب أو الخداع، تكون حركاتهم الجسدية محدودة ومتشنجة وتخف حركات اليدين والكفين، كما تقتصر حركات الوجه على الفم بدلاً من الوجه بأكمله. هذا تماماً ما نراه في شريط الفيديو، فأبو عدس كان متشنّجاً وقد غابت عنده حركات اليدين والوجه التي اقتصرت على حركة الفم. وتشير صرامة وجهه وجسده إضافة الى مواجهة جسده ورأسه الكاميرا مباشرة، إلى لغة جسد دفاعية؛ هذا رد فعل بدائي حيث يتجمد الجسد، لتفادي التنبه للحركات ويمكن أن يفسر على أنه تحضّر للهجوم. وعادة ما تترافق لغة الجسد مع الخوف والقلق. وتجدر الإشارة إلى أن الإيماءات (مثل حركات اليدين والذراعين) تختلف عن حركات جسدية أخرى لأنه على علاقة أكبر بالحديث والكلام. فللإيماءات عادةً معان لغوية محددة. في حالة أبو عدس، نلحظ غياباً شبه تام لحركات اليدين والذراعين ما يشير إلى عدم «تورط» المتحدث بحديثه. ويُعتقد أن الخطاب الذي ألقاه أبو عدس لم يكتبه بنفسه ما يعني أن أبو عدس ليس واضع الشريط. ويمكن رؤية بُعد أبو عدس عن الموضوع من خلال كتفيه المترهلتين وطريقة جلوسه التي قد تدل أيضاً على غياب الثقة بالنفس أو على الخوف والانهزام.
إضافة إلى هذا، يظهر الخوف في تردده في الكلام ونبرة الصوت الرتيبة مع جفاف الحلق الذي يظهر بلعق الشفتين (نرى أبو عدس يلعق شفتيه 3 مرات في الشريط: 21:06، 27:18، 35:08). وغالباً ما يترافق الخوف مع القلق الذي يظهر أحياناً في النظر إلى أماكن غريبة. عند الدقيقة 18:17 من الشريط/ ينظر أبو عدس بعيداً عن الكاميرا ما يُظهر الخوف والقلق مع احتمال طلب الموافقة من شخص آخر موجود في الغرفة. هذا يجعلنا نتساءل عن عدد الأشخاص الموجودين في الغرفة عند تصوير الشريط ما يؤدّي درواً بالغ الأهمية في الإجابة عن أسئلة هامة في التحقيق. في حال وجود أكثر من شخص في الغرفة وإذا صحت افتراضاتنا حول الخداع والخوف والقلق، فهل من الممكن أن يكون أبو عدس قد تعرض للتهديد أو الخطر عند تسجيل الشريط؟
في الختام، هذا الشريط يشبه الأشرطة التي يسجلها الانتحاريون، فأبو عدس يهدد بتفجيرات إضافية وهذا يُعدّ نموذجاً عند الانتحاريين (شريط تفجير لندن). ويبقى السؤال المطروح في شأن قلة حركات الوجه والجسد إضافة إلى الأغراض الموجودة في الشريط (طاولة مع غطاء أسود، خلفية سوداء، عباءة أبو عدس السوداء).
رغم أن لغة الجسد قد تعطي طريقة جديدة للتواصل، إلّا أنه يجب التعاطي معها بكثير من الانتباه. فهي تتأثر أحياناً بعادات المتحدث. كما أن علينا التنبه إلى جانب الاختلافات الفردية، إلى الاختلافات الجغرافية والثقافية.
* اختصاصية في علم النفس ولغة الجسد