موسكو ــ حبيب فوعاني
كل شيء جاهز لاستقبال الرئيس فؤاد السنيورة في موسكو التي توجه إليها مساء أمس.
وإذا كانت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو في 19 كانون الأول الجاري تعدّ أمراً طبيعياً في ضوء العلاقات التي ازدادت توثقاً بين دمشق وموسكو منذ بدء الولاية الثانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وانطلاقاً من دعم موسكو لدمشق في وجه الهجمة الأميركية ــ الفرنسية عليها، فإن الأوساط الإعلامية الروسية لا تخفي فرحتها بحصول موسكو على وضع الوسيط المنشود، وأن تصبح العاصمة الروسية «حائط مبكى» لـ«رئيس الحكومة اللبنانية، المشهور بأنه صنيعة الولايات المتحدة والغرب» (وفقاً لصحيفة «كوميرسانت»)، وتعبّر عن ارتياحها لتفعيل النشاط الدبلوماسي في الشرق الأوسط، بل وتعبر عن شماتتها بسلبية الدبلوماسية الأميركية وأخطائها في المنطقة.
وترى الأوساط السياسية الروسية أن وهن الدور الأميركي في المنطقة يعطي دفعة إضافية لعودة «الأخ الأكبر» الروسي، أو التظاهر بعودته للمشاركة في تسوية الأوضاع في الشرق الأوسط.
لكن القيادة الروسية لا تريد الوقوع من جديد في أخطاء «الأخ السوفياتي الأكبر»، الذي كان يبني سياسته على إيديولوجيات ماركس وإنجلس ولينين. وهي تتخذ على أي حال موقفاً يطبعه الحذر والتروّي من «حقل الألغام اللبناني»، وتريد الاطلاع على المستجدات في الأزمة من الضيف الرفيع، الذي «سيوضح موقفه» أمامها (بحسب الصحيفة اليومية الإلكترونية «أوترا. رو»)، والذي «سيوافيها بمعلومات صادقة عن الوضع في لبنان»، كما صرح السفير اللبناني في روسيا عاصم جابر لوكالة «نوفوستي» للأنباء. ويبدو، بحسب جابر، أن المسؤولين اللبنانيين من الفريق الآخر ينقلون أخباراً كاذبة إلى موسكو!
وستحتل قضية المحكمة ذات الطابع الدولي في مقتل الرئيس الراحل رفيق الحريري الحيز الأكبر، على ما يبدو، في المحادثات. ولا سيما أن موسكو، التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن، قد نجحت في إدخال تعديلات جوهرية على قرار إنشائها وطريقة عملها لكي لا تستخدم لتصفية الحسابات السياسية مع حلفائها اللبنانيين.
وذكر نائب وزير الخارجية الروسية ألكسندر سلطانوف، في مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في 12 كانون الأول الجاري، أن روسيا تعارض تسييس التحقيق في مقتل الحريري، وأنه «يجب ألا يتعدى النطاق القانوني البحت». وأضاف أن «روسيا كانت تصرح دائماً بضرورة أن يمضي التحقيق حتى النهاية، وأن يتم كشف الجريمة والتوصل إلى الحقيقة ومقاضاة الجناة». وشدد على ضرورة ألا يؤدي إنشاء المحكمة إلى تعقيد الوضع السياسي الداخلي في لبنان»، وعبر عن أسفه «لأن ذلك ما يحدث الآن».
وعلى هذا الأساس، «أظهرت موسكو أنها تنحاز في هذا النزاع إلى جانب سوريا شريكتها التقليدية في الشرق الأوسط» وفقاً لصحيفة «كوميرسانت». وربما لذلك، تنتظر موسكو إجماع الفرقاء اللبنانيين واتفاقهم على أمر المحكمة في المجلس النيابي اللبناني.
ويعيد المراقبون تحفّظ موسكو أيضاً إلى أنها لا تريد أن تصبح المحكمة سلاحاً بيد الغرب لاستخدامه ضد حلفائها خصوصاً ضد رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، الذين تتسم علاقاته بالولايات المتحدة بالتوتر، أو ضد حلفائها في العالم، مثلما حدث مع الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش،.
وعلى أي حال تروق جداً لموسكو الإمكانية الحالية، التي هيّئت لها، للعب دور الوسيط في تسوية أزمة السلطة اللبنانية، وهي فرصة ذهبية للكرملين لاستعراض أهميته على الصعيد الدولي.