فداء عيتاني
ثمة مراجعتان ورؤيتان الى مواقف الأكثرية الحاكمة، إحداهما لـ«حزب الله»، وهي تستند بطبيعة الحال الى انعدام ثقة متبادل بين الطرفين. والثانية لزعامات بيروتية محكومة بمنطق الخسائر التي مني بها الشارع السني وانسداد آفاق عمل قوى وسطية فيه.
«من يفشّل المبادرات؟» يسأل أحد أعضاء المجلس السياسي لـ«حزب الله» بإصرار، وهو يقدم المبادرة تلو المبادرة التي كان يمكنها ان تشكل تسويات مقبولة من تلك التي طرحت على طاولة التشاور، قبل ان يكتشف رئيس مجلس النواب نبيه بري موعد انعقاد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء بنقطة واحدة وحيدة «المحكمة ذات الطابع الدولي»، قبيل اغتيال النائب بيار الجميل، ويكتشف ان ما تم التوافق عليه ليلاً مع النائب سعد الحريري تجاهله رئيس «تيار المستقبل» نهاراً على الطاولة تاركاً لسمير جعجع ووليد جنبلاط نسف التفاهمات الضمنية، بينما بري ينتظر منه كلمة لتستقيم الأمور.
المصدر نفسه يشير الى إفشال مبادرة الداعية فتحي يكن التي أُسقطت قبل خروج الأخير من السرايا الحكومية، حيث قدم أفكاره للرئيس فؤاد السنيورة، حين أعلن النائب وائل أبو فاعور نعيها، ويكرر المصدر: «من الذي يفشّل المبادرات والتسويات؟»، ويعدّد محاولات التسوية التي فُجّرت من الداخل، وهو يشير الى ارتباطات خارجية تحكم على كل التسويات بالدفن حية.
غير بعيد من هذا المنطق يراجع أحد الأقطاب البيارتة أخطاء الأكثرية، وخصوصاً «تيار المستقبل». منطق الكلام يقود الى إشارة واضحة الى عاملين حاسمين: تدخّل ثقيل لجنبلاط وجعجع في الخيارات الرئيسية، ودور ملتبس للسعودية مبني على توتر علاقاتها مع سوريا.
«أخطأت الأكثرية قبل ان تتشكل كأكثرية نيابية، أولاً في إخراجها سوريا بالطريقة التي أُخرج بها جيشها من لبنان من دون أن تعي، ربما، ان دمشق تبقى أقوى من قوى 14 آذار مجتمعة في الإمساك بخيوط السياسة اللبنانية حتى وهي خارج البلاد، وثانياً في رفع سقف تحرك قوى الأكثرية ــ في حينه ــ عندما طرحت المساهمة في إسقاط النظام في سوريا على جدول أعمالها وتحدثت عنه، وثالثاً في استعجال إجراء الانتخابات النيابية عام 2005 في مواعيدها بأي ثمن وبالقانون المتوافر (أي في الاستماع الى النصيحة الأميركية والفرنسية في هذا الشأن)، ورابعاً في سياسة تحالفاتها، التي كان يمكن صياغتها بأسلوب آخر لتحصد المزيد من المقاعد البرلمانية، وآخر أخطاء الأكثرية اليوم هو فتح النار على رئيس مجلس النواب»، وما بينها سلسلة أيضاً من الأخطاء والارتكابات في السياسة.
تستند مراجعة «حزب الله» الى تشكك عميق في الأسباب والدوافع، فيما تستند مراجعة القطب البيروتي الى شعور بمرارة إغلاق الطريق أمام العمل السياسي. «لا مكان لطرح أفكار وسياسة وسط اليوم» يقول وهو يدعو من يحاول الى التخفيف من الجهد الذي سيضيع ويتلاشى من دون نتائج تذكر. المبادرات الوسطية، وخصوصاً بين أبناء السنة في لبنان، مصيرها تصعيد في الشارع يأكل كل شيء ولا يبقي من هذه المبادرات ما يذكر، وإن كانت مجموعات سنية معارضة تحاول تجميع القوى مع من يعتبرون في الوسط بين هذا وذاك، فإن ما يقومون به يمكن ان يضيع بلحظة «تطلق فيها السعودية النار السياسية على هذه المبادرات ويعود التأزم الى الشارع».
التأزم في الشارع أو بالأحرى «التعبئة غير المسبوقة للسنة» أحد أسباب التفجير، وإن الحاجة الى رئيس المجلس النيابي في أية تسوية يمكن القيام بها، يبعدان أكثر فأكثر إمكانية تشكل حالة سياسية أو طرح سياسي بعدما تحوّلت الأكثرية الى الهجوم على رئيس مجلس النواب، والحكومة التي تحتاج الى كل هذا الدعم الدولي هي حكومة ضعيفة، ولا شك، إلا أنها قوية من ناحية أخرى بدعم السنة الكبير كما بدعم طرف مسيحي هو البطريركية المارونية، أو على الأقل بعض أطرافها، وبعض قوى الموارنة. يقول القطب وهو يكرر انه قبل تحرك العلاقات السورية ــ السعودية، الحلول في بيروت مستبعدة.
«كلمة واحدة إضافية تحوّلك الى زعيم في الشارع وكلمة ناقصة تجعلك خائناً في أعين الناس» يختم وهو من يسكن في أحد الأحياء المختلطة في بيروت.