strong>غسان سعود
بدأت تظهر في المناطق المسيحية لافتات باسم «حركة نحو الحرية» تدعو إلى الوحدة والتوافق بين المسيحيين. هنا محاولة للإضاءة على هذه الحركة التي بدأت انطلاقتها في «انتفاضة الاستقلال»، ولم يُعلن عنها رسمياً بعد

تمرّ السيارة من تحت جسر الحكمة. ترتسم فجأة الابتسامة على وجه سائق الأجرة، ويردد «إيه هيدا حكي، الله يعطيهم ألف عافية هولي الأوادم». «هيدا حكي»: لافتة عُلِقّت على الجسر تقول «لن نقبل باقتتال الأخوة مهما كانت الأسباب». و«هولي الأوادم» هم «حركة نحو الحرية». مجموعة وزعت لافتات من الأشرفية إلى البترون، مروراً بالمتنين وكسروان وجبيل وغيرها من المناطق ذات الغالبية السكانية المسيحية، تتضمن وعوداً كثيرة. يذكر منها السائق: «جراح أمس محفورة وجعاً في الوجدان والقبور»، «تبقى بكركي منارتنا في أزمنة التيه والظلام»... مئات اللافتات. وكلها تحمل التوقيع نفسه «حركة نحو الحرية».
وبالعودة إلى الوراء، كان اسم «حركة نحو الحرية» قد ظهر للمرة الأولى في اليوم الثاني من انتفاضة الاستقلال. يومها، دعت المنظمات الشبابية المعارضة إلى الاعتصام في ساحة الشهداء حتى تحقيق عدد من المطالب. فتحركت مجموعة من «المقاومين» السابقين في القوات اللبنانية، المنضوين ضمن ما يُعرف برابطة سيدة إيليج، صوب الساحة. ونُصبت أولى الخيام هناك، رافعة شعار «نحو الحرية». لاحقاً، مع بدء تكون ملامح الاتفاق الرباعي، قررت المنظمات الشبابية إنهاء الاعتصام. لكن شبان «نحو الحرية» أصرّوا على البقاء حتى إقرار قانون انتخابات نيابية جديد، وإطلاق قائد القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن. وأثاروا بموقفهم هذا بلبلة إعلامية وسياسية، انتهت بالتوافق على التعتيم الاعلامي عليهم.
ثم حصل ما حصل، وغابت «نحو الحرية»، لتعود أخيراً وتظهر مع ازدياد حدة التعاطي بين مناصري القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر إثر استشهاد الوزير بيار الجميل، لكن هذه المرة ببيان عنوانه آية من الإنجيل تقول «أحبّوا بعضكم بعضاً كما انا أحببتكم». ويتضمن رسالة إلى «الزعماء والفعاليات والمحازبين المسيحيين» تدعوهم إلى «العودة في اختلافاتكم الى القيَم التي علّمنا إياها الله لنستحق رحمته التي نحن في أمسّ الحاجة لها، ولا نطلب من أي منكم إبدال موقف وليس هدفنا مناقشة خيارات صائبة أو لا، بل غايتنا ألا يتحوّل الاختلاف عداوة واقتتالاً بين الإخوة، وأن نتعلّم جميعاً العيش معاً إخوة، وإلا فسوف نهلك معاً كأغبياء».
وفي التفاصيل، يوضح أحد مؤسسي الحركة، الزميل شارل جبور، أن «نحو الحرية» لم تعلن بعد رسمياً، لكنّ الاستعدادات تسير على قدم وساق. وتخوض المجموعة المؤسِّسة حواراً داخلياً باتجاهين. الأول تنظيمي، والثاني يتعلق بالبيان السياسي التأسيسي الذي يستند إعداده إلى هدف رئيسي هو عدم التحول إلى مجرد حزب آخر يُضاف إلى الأحزاب اللبنانية الكثيرة ويكون نموذجاً آخر للتشرذم المسيحي.
يتخيل جبور الأفكار الرئيسية للحركة، ثم يهز برأسه مؤكداً أنهم سيضيفون «نوعية سياسية» يحتاجإليها المجتمع المسيحي. ويتابع «نريد أن نكون حزباً جامعاً وحدوياً داخل المجتمع المسيحي». «نحن» التي يتحدث بها جبور تعني مجموعة من الناشطين السابقين في القوات اللبنانية، إضافة إلى آخرين يجمعهم اليوم التعلق بحرية لبنان وحرية الانسان. ومن هاتين الحريتين يتشعب الكلام، ليعود جبور ويشير إلى رغبتهم في إظهار أن كل «المقاومين المسيحيين السابقين» مُوحدون على أهداف موحدّة. وبنبرة آسفة يقول: «شبعنا خلافات»، محاولاً اختصار كلام كثير. ثم يستدرك قائلاً «دفع المسيحيون ثمناً غالياً. نحن نؤمن بأنه لا وصول إلى وحدة وطنية من دون وحدة مسيحية».
تُعدّ «نحو الحرية» إذاً انطلاقة جديدة لرابطة سيّدة إيليج بعد أن فشل أعضاؤها في التوصل إلى تفاهم مع قيادة القوات اللبنانية. ويقول أحد هؤلاء الأعضاء، إنه لا حقد لديهم على قيادة القوات. لكن تجربتهم الحزبية تستحق الاستمرار، خصوصاً بعد ثباتهم على مواقفهم طوال سنوات الوصاية. وسقف الحركة هو سقف بكركي. وهم يقبلون التباين الاستراتيجي بين القيادات المسيحية شرط ألا تؤدي إلى تصادم بين القواعد الشعبية.
يقتنع السائق بالترابط بين «نحو الحرية» و«سيدة إيليج». يبحث في محفظته عن ورقة قديمة، بيان لـ«سيدة إيليج» تخطّى عمره خمسة أعوام عنوانه «إيمان وتعهّد» ينتهي بقسَم يقول «أتعهّد أن تسوس الديموقراطية حياتي الوطنية ــ السياسية على مستوياتها المختلفة، رافضاً ادّعاء أيٍّ كان اختزال قيادة المجتمع بشخصه». يبتسم الرجل المسن، ويودع أحد ركابه مؤكداً «تذكر أن هذا هو تحديداً ما نحتاج إليه كمسيحيين».