لو كان لعمرو موسى أن يختصر الساعات الـ 48 التي أمضاها في جولات مكوكية، لقال من دون تردد: «لا أفق للتصعيد ولا إرادة للحل». ولكن لأن من الصعب عليه أن يغادر من دون أن يعطي جرعة من التفاؤل، اجتهد الأمين العام للجامعة العربية في إعلان نيات قد تقوده إلى النجاح، متحدثاً عن إطلاق ديناميكية عربية لمعالجة المشكلة التي تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية، مشدداً على أنه لن يترك لبنان محاصراً بالمخاطر وسيعود ليستكمل ما بدأه كمنطلق للحل من خلال تسوية مؤقتة تقوم على تشكيل لجنة لدرس مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي بالتزامن مع توسيع الحكومة على قاعدة 19 ــ 10 ــ 1.وفي قراءة لإمكانات النجاح والفشل في موضوعي الحكومة والمحكمة لا بد من تسجيل جملة تساؤلات:
ــ في موضوع الحكومة: الطرفان أقرّا بصيغة 19 ــ 10 ــ 1، لكن الخلاف ظل قائماً على من يسمّي «الوزير الملك»، وإذا تم التفاهم على أن تسميه المعارضة، فما هي الضمانات التي تطلبها الأكثرية للموافقة عليه؟ وماذا سيكون دوره؟ وما هي هويته السياسية والطائفية؟
وأسئلة أخرى: هل يبقى الوزراء عينهم بمن فيهم الوزراء الذين كانوا من حصة رئيس الجمهورية؟ وماذا عن الحقائب الوزارية التي تطالب المعارضة بإجراء تبديلات فيها، بخاصة في وزارة العدل. فهل توافق الأكثرية على تغيير شارل رزق أم تصر على بقائه فيها؟ وماذا سيكون عليه موقف رئيس الجمهورية الذي يحتاج تعديل الحكومة أو توسيعها الى توقيعه؟ هل سيعتبر نفسه مجرد موظف يصدر المراسيم من دون إبداء رأيه بالوزراء المنوي تعيينهم؟ هذه عيّنة من جملة تساؤلات لم يُجب عنها بعد.
ــ في موضوع المحكمة: ما هي التعديلات الممكن إدخالها على مشروع المحكمة، وإذا صدق ما تقوله الأكثرية من أن المعارضة ستعترض على الربط بين اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات الأخرى، وإنها ستطالب بإلغاء البند الذي ينص على مسؤولية الرئيس عن مرؤوسيه، فإن السؤال: هل سيتم التوافق في اللجنة السداسية على الاعتراضات؟ وإذا سلّمنا جدلاً بقبولها، فهل يتوافق ذلك مع ما أقِرَّ في مجلس الأمن؟ وهل توافق الأمم المتحدة على التعديلات؟
وثمة خلاف آخر يتعلق بالطريق الذي يجب أن يسلكه مشروع المحكمة: عبر مجلس النواب أم يعود الى الحكومة؟ وأية حكومة؟ الحالية التي تطعن المعارضة بشرعيتها أم حكومة الوحدة الوطنية؟ وماذا سيكون مصير القرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية؟ وهل سيرسل المشروع مجدداً الى رئيس الجمهورية بعدما تقره الحكومة الموسعة، ويأخذ طريقه القانوني والدستوري الى مجلس النواب؟
المدقق في هذه التساؤلات يخرج بنتيجة مفادها أن المحكمة والحكومة هما عقدتا «المنشار العربي»، وأن مجال الاختراقات فيهما ضيق للغاية بسبب طبيعة الأزمة وتعقيداتها وتعدد الملفات الخلافية وتداخلها، إضافة الى الامتدادات الدولية والإقليمية للصراع في لبنان وتوزع القوى بين محورين يتصارعان على ساحة المنطقة وملفاتها المتفجرة. على أن أقصى ما استطاع موسى أن يحققه انتزاع ضمانات من الأطراف بعدم اتخاذ خطوات تصعيدية تسبق عودته، والتقليل من الصخب الإعلامي والمواجهات السياسية التي توتّر الأجواء ولا توفر الفرص الملائمة لترميم الجسور.
ويقول مرجع سياسي متابع للحركة العربية إن ما يقوم به موسى مطلوب عربياً ودولياً، وهو كلّف تعبئة الفراغ وتقطيع الوقت ريثما تنضج الظروف الإقليمية والدولية ومعرفة اتجاهات السياسة الخارجية الأميركية التي أعلن الرئيس جورج بوش أنه سيبدأ بتظهيرها مع بداية العام المقبل، حيث ينتظر أن يجدّد خيارات بلاده وسياساتها الاستراتيجية في المنطقة انطلاقاً من معالجة الملف العراقي.
ويتابع المرجع السياسي أن موسى سيجري اتصالات ومشاورات مع المسؤولين في القاهرة والرياض ودمشق وطهران ومع عواصم دولية مؤثرة بهدف تهدئة اللعبة وفرض شكل من أشكال الهدنة في لبنان بانتظار أن يبدأ موسم الصفقات والتسويات، بعدما بات من المستحيل عزل أزمة لبنان عن المواجهات المفتوحة بين إيران وسوريا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى. ويلفت إلى وجود إمكانات لهدنة طويلة بعدما تعب الطرفان في الوقوف عند النقطة القاتلة، بحيث لم يعد في استطاعتهما التراجع إلى الوراء ولا التقدم إلى الأمام، وبالتالي، فهما متساويان في المأزق ويحتاجان إلى مساعدة للبحث عن تسوية مؤقتة أو هدنة طويلة حتى تدق ساعة حل النزاعات ورسم التوازنات الجديدة التي سترسو عليها المنطقة، ومن ضمنها لبنان.
ويعطي مراقبون سياسيون أهمية غير عادية للزيارة التي يقوم بها الرئيس فؤاد السنيورة لموسكو والتي ستليها زيارة للرئيس بشار الأسد وما يمكن أن يعودا به من نتائج، والدور الذي يمكن أن تؤديه روسيا في حل الأزمة، سواء لجهة المحكمة الدولية التي عدّلت الكثير من بنودها ويمكن بالتفاهم مع الحكومة اللبنانية إجراء تعديلات أخرى تطلبها المعارضة لتمرير مشروع المحكمة عبر الوفاق اللبناني ومراعاة الأصول الدستورية، وفي ذلك استبعاد لإنشاء المحكمة بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع الذي سيفجر حرباً في لبنان، هو في غنى عنها، الى جانب أن الروس بدخولهم على خط العلاقة اللبنانية ــ السورية يمكن أن يمدوا جسوراً بين البلدين تعيد العلاقات إلى مجراها الطبيعي لأنها المنفذ الأساس لاستقرار لبنان.
فهل يأتي الترياق من موسكو هذه المرة؟