عرفات حجازي
هل يتراجع منطق المواجهة لمصلحة الدخول في منطق التسوية؟ السؤال يستمد مشروعيته من الأجواء التي سادت بعد دخول المبادرة العربية على خط المعالجة والترحيب الذي قوبلت به من طرفي الأزمة، ربما لشعورهما بالحاجة الى مساعدة بعدما تساويا في ضيق الخيارات وباتا يبحثان عن حل يحفظ ماء الوجه ويمنع سقوطهما في المحظور في ظل وضع محتقن بكل عوامل الفتنة والانفجار.
على أن المدقق في مضمون المبادرة العربية وما انتهت إليه الحركة المكوكية لعمرو موسى يكتشف من دون عناء أن التفاهم تم على معظم عناوين الأزمة وإخضاعها للنقاش، لكن الخلاف بقي مستحكماً حول الآليات والأولويات، وأن مجال النجاح والقدرة على تحقيق اختراقات في جدار الأزمة ليس متاحاً بعد، وحتى عملية التوازي والتزامن التي طرحها موسى لمعالجة الجزء الأول من صفقة الحل أي المحكمة والحكومة تحتوي على ألغام عدة يستحيل تعطيلها من دون تنازلات موجعة لا يبدو أن الفريقين مهيآن لتقديمها.
ففريق السلطة ليس في وارد السماح بإجراء تعديلات على نظام المحكمة، ويرى أن اللجنة السداسية التي جرى التفاهم عليها مع موسى لمناقشة بنودها هي لمجرد القراءة المشتركة، وهذا ما تراه المعارضة نعياً للمبادرة وتأكيداً لحقيقة موقف السلطة التي تريد امرار مشروع المحكمة من دون الأخذ في الاعتبار حتى الملاحظات القانونية التي تبغي تحصين أعمال المحكمة بما يخدم العدالة وعدم توظيفها لغايات سياسية دولية تخدم أغراض الدول الأجنبية. وفي المقابل ترى المعارضة أن المقترح المحدد حول تأليف حكومة الوحدة الوطنية أي 19 + 10 + 1 هو مخرج لفظي أكثر مما هو عملي، وتضيف أن الأساس عندها هو الحصول على الثلث الضامن، وهذا خط أحمر لن يسمح بتجاوزه، متهمةً الأكثرية بنقض ما يتم الاتفاق عليه وأنها بأدائها تعرقل قيام المحكمة وليس العكس. وتؤكد المعارضة بلسان قادتها أنها لن تخرج من الشارع قبل تحقيق مطلبها، وأن التحرك سيظل قائماً حتى إعلان مراسيم قيام حكومة الوحدة الوطنية، مشيرة الى أنها ستعطي المبادرة العربية كل الفرص الممكنة لإنجاحها لكنها لن تقبل بالالتفاف على حقها في المشاركة في القرار السياسي.
في ظل هذا المشهد السياسي الداخلي الذي استعاد وتيرته من التصعيد وإقامة المهرجانات الجوّالة يعود موسى غداً الى بيروت، قادماً من الرياض حيث أطلع المسؤولين السعوديين على نتائج وساطته ومدى الدعم الذي تستطيع المملكة توفيره لإنجاح مهمته. وهو صارح كبار المسؤولين بخطورة الأزمة التي أخذت أبعاداً تهدد بفتن طائفية ومذهبية وقد تتحول واحدةمن مشاكل المنطقة المستعصية. كما أبلغهم أنه بمفرده عاجز عن المعالجة وأنه يحتاج الى جهد عربي إضافي، وأن إعادة الحرارة الى العلاقات بين الرياض ودمشق سيساهم كثيراً في دعم مبادرته ويشكل شبكة أمان لها.
وفي معلومات لمصادر دبلوماسية في بيروت أن السعودية وعدت ببذل أقصى ما يمكن من جهود وتوظيف علاقاتها الطيبة مع كل الفرقاء اللبنانيين لفتح مسالك تخرج الأزمة من دائرة الاستعصاء. وأوضحت أن موسى فاتح عدداً من القادة والمسؤولين العرب بمسعاه لتطبيع العلاقات السعودية - السورية بما ينعكس إيجاباً على مسار الأزمة في لبنان. وربطت هذه المصادر بين الزيارات الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد وقبله موفد الرئيس اليمني وبين زيارة الأسد لكل من اليمن ودولة الإمارات العربية حيث احتلت الأزمة اللبنانية وأزمة العلاقات العربية - العربية واجهة المحادثات.
وفي معلومات لهذه المصادر أن ثمة مفاجآت ستظهر في الأسابيع القليلة المقبلة لجهة تنقية الأجواء العربية وترميم الانهيارات التي أصابت العمل العربي المشترك. وعلّقت المصادر أهمية على الدور المحوري الذي تلعبه روسيا في المنطقة وعلاقاتها الجيدة بإيران وسوريا ما يمكّنها من القيام بدور الوساطة بين لبنان وسوريا ولم يكن مصادفة أن تأتي زيارة الأسد بعد يومين من زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الى موسكو حيث بحث مع الرئيس بوتين الملف اللبناني والمساعدة الروسية لتسهيل قيام المحكمة الدولية.
وأفادت معلومات صحافية أن بوتين وعد بمناقشة القضية مع الرئيس الأسد ولم تستبعد أن يطرح الرئيس الروسي مبادرة تفضي في النهاية الى تمرير المحكمة بالقنوات الدستورية ومراعاة القواعد والأصول القانونية بتوافق لبناني - لبناني، لأنه إذا تعذّر التفاهم حولها فإن ذهابها الى مجلس الأمن لإدراجها تحت الفصل السابع ليس مضموناً وأنها ستواجّه بتعقيدات ومخاوف من تفجير الأوضاع الداخلية في لبنان. من هنا فإن موسى سيعكف على درس حصيلة اللقاءات والمشاورات والاتصالات ليرى في ضوئها ما إذا كان بالإمكان أن يكمل طريقه أم يكتفي بالعمل على تسوية تكون أقل من حل دائم وأكثر من هدنة مؤقتة قد تمتد أسابيع في انتظار ما سيقرره الرئيس الأميركي جورج بوش من سياسات وخيارات في ضوء تقرير بيكر ـــ هاملتون.
وعلى رغم إصرار بوش على أن الحوار مع سوريا وإيران يجب أن يأتي ثمرة تنازلات يقدمها البلدان لا دخولاً في حوار للحصول على مثل هذه التنازلات فإن رد البلدين كان قاطعاً: من يحتج الى مساعدة الآخرين لا يفرض شروطاً بل العكس هو الصحيح.
وفي انتظار حل عقدة الحوار مع سوريا وإيران التي تؤخر إعلان الاستراتيجية الأميركية الى العام المقبل فإن اللافت هو سيل التصريحات التي لم تتوقف على لسان أركان الإدارة الأميركية لجهة رفضهم التضحية بـ «الديموقراطية اللبنانية» على حساب عقد صفقة مع سوريا وتأكيدهم الجازم بأن مستقبل لبنان ليس موضع مقايضة مع أحد. ورغم هذه التطمينات فإن فريق السلطة ما زال يعيش حالة قلق من تسويات قد تُقدم عليها الإدارة على حساب الملف اللبناني.
وذكرت مصادر دبلوماسية مطلعة في دمشق أن الحوار بين واشنطن ودمشق بدأ فعلاً وبعيداً من الأضواء من خلال السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى، وأن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وبغداد بعد قطيعة دامت ربع قرن ليست خطوة بلا دلالات، وأن الإدارة الأميركية مهما بالغت في تطمين حلفائها اللبنانيين، فإن السوابق الأميركية تؤكد أن حلفاءها دائماً كانوا يسقطون في منتصف الطريق.


* سقط سهواً اسم عرفات حجازي عن التقرير الإخباري الذي نشر في عدد السبت الفائت بعنوان «المحكمة والحكومة عقدتان في المنشار العربي»، فاقتضى التوضيح.