غسّان سعود
لم يطلّ جيلبير أبي عاد بعد على الإعلام. لم يُحفظ اسمه أو شكله، لكن معظم طلاب الفروع الثانية في الجامعة اللبنانية شاهدوه في كلياتهم ينشط سياسياً، يعطي بعض التعليمات، أو يهمس في أذن مندوب القوات اللبنانية في الكلية، وخصوصاً عشية انتخابات المجالس الطالبية.
يسكن جيلبير في بعبدا. لكنّه أصلاً من دفون ــ عاليه، البلدة التي هُجّر معظم أهلها المسيحيين إثر حرب الجبل بين القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. الأهم من كل هذا، بالنسبة إليه، أنه «ناشط في القوات اللبنانيّة». ويشكّل وفقاً لأصدقائه، نموذجاً لطلاب القوات، إن من حيث العمل الجامعي والجنوح نحو الحماسة الفائقة أو من حيث تجربة العمل القواتي ــ المناطقي التي لا تزال في بدايتهابداية القصة تعود لبضع سنوات إلى الوراء: «كان حزب القوات اللبنانية منحلاً. بدأت أنشطُ بالعمل السري مع شباب القوات في ثانوية سعيد ــ عين الرمانة، وكان عمري لا يتجاوز الخامسة عشرة. اخترت القوات لأنه الحزب الوحيد الذي يعمل بجد للحفاظ على الوجود المسيحي الحر والكريم». يُسأل عمّا يعرفه عن القوات؟ فيرد مباشرة: «حين تعرّض الوجود المسيحي للخطر، أوجد بشير الجميل القوات اللبنانية للدفاع عن المجتمع المسيحي. وفي إحدى المراحل، طرحنا الفيدرالية للحفاظ على الوجود المسيحي الحر. وبعد الطائف، كنّا مع بناء دولة فعليّة قويّة». هذه هي القوات، فكر وإيمان بقضية الوجود المسيحي الحر، الذي يعني أن «تكون حقوقي كمسيحي مصانة وأستطيع ممارسة حريتي وشعائري الدينية. وأن لا أكون «أهل ذمة»، يقول أبي عاد.
ما من مكتب للقوات اللبنانية في بعبدا، ما يدفع ناشطي القوات فيها للجوء إلى عين الرمانة حيث يجتمعون أسبوعياً في مكتب القوات. يتكلّمون «في الفكر والتاريخ، ونتعرف على عقائد الأحزاب الأخرى، إضافة إلى الغوص في تفاصيل عقيدة القوات اللبنانية، ومشروعها السابق والحالي، ونظرتها إلى الدولة». ينظّم هذه الحلقات «كادرات من القوات، سبق أن كانوا مقرّبين من الحكيم». ويشارك فيها عدد يتراوح بين الثلاثين والخمسين حزبياً، من مختلف الفئات العمرية.
تبرق عينا جيلبير بالحماسة حين يتكلم عن القوات. ويؤكد أنهم يستفيدون من الوقت الضائع ليملأوا الفراغ التثقيفي الذي خلّفته سنوات «حلِّ القوات». لكنّ معظم المحاضرات التثقيفية مجمّدة الآن لمعرفة ما سيحصل من تطورات سياسية. وإلى جانب النقاشات الفكرية، فإنّ قيادة القوات، وفقاً لأبي عاد، منكبّة الآن على التحضير لإعلان تنظيم واضح لهيكلية حزب القوات اللبنانية، وتقسيم اللجان فيها. وفي انتظار الإعلان الرسمي عن الخلايا في كل لبنان، يجتمع الشبان في مناطقهم، ويوزعون المهمات على بعضهم بعضاً، ويحترمون الأدوار تبعاً للأقدمية في العمل الحزبي. ويوضح أبي عاد أن ثمة وجوهاً قواتية تاريخية في كل بلدة وكل حي، لا يجوز تخطّيها.
يرى جيلبير أنّ العمل السياسي في الجامعة أكثر متعة، «هناك نشعر بأهميتنا أكثر، ونستطيع الوصول إلى مواقع ومناصب متقدمة وفقاً لكفاءتنا». ويوضح جيلبير الذي يشغل حالياً منصب رئيس اللجنة التنظيمية في خلية القوات اللبنانية في كلية الحقوق والعلوم السياسية ــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية، أن ثمة هرمية واضحة في خلايا القوات الطالبية، وهناك عدة لجان تتخذ القرار بالإجماع. ويستطيع أيّ كان الانضمام إلى اللجنة التي يريد. وهناك لجان الرياضة، المال، الإعلام، النشاطات، التنظيم وأمانة السر. وهكذا لا يشعر الناشط، أياً كان، بأن دوره مهمّش، ويشارك الجميع في اتخاذ القرارات. وفي كلية الحقوق، يسعى طلاب القوات إلى انتخاب رئيس خليّتهم من القاعدة مباشرة، لا أن يُعيّن من لجنة الطلاب، كما درجت العادة. ويؤكد أبي عاد، خلافاً للمتوقع، أن مشاكلهم مع العونيين تراجعت مقارنة مع السنوات الماضية.
أبرز الكتب التي قرأها أبي عاد هي «حرب الجبل» و«هذه شهادتي»، إضافة إلى كتب أخرى صادرة عن مؤسسة بشير الجميّل. ويشير إلى أن هذه هي أبرز الكتب التي توزع بين ناشطي القوات، إضافة طبعاً إلى «كتابات شارل مالك». وعن الفارق بين سمير وبشير، يتأمل جيلبير قليلاً، ثم يقول «لكل منهما شخصيته، لكنهما يتلاقيان كثيراً في الشجاعة والعنفوان وصفة القيادة». ويكشف أنهم، كناشطين، يلجأون إلى النائب جورج عدوان لاستيضاح الأمور أو الاستعلام عن بعض القضايا. وقد تمكّن من رؤية جعجع ثلاث مرات منذ خروجه من السجن، وذلك ضمن لقاءات واسعة تضم قائد القوات وعدداً من الطلاب، يتحدّث «الحكيم» خلالها قرابة نصف ساعة، ثم ينتظر الأسئلة. ويحصل تبادل للأفكار بينه وبين الطلاب.
لا يعدّ جيلبير نفسه شديد التديّن. يغمض عينيه لثوان قليلة، يفكّر، ثم يختم كلامه: «نحن نحلم بوطن»، قبل أن يستدرك: وطن لا يكون المسيحيّ فيه «أهل ذمّة».