فداء عيتاني
«اليد الأميركية غير قادرة على إحكام القبضة على الجمرة العراقية، إلّا أنها وهي تلقيها لن يعنيها ترك الفتنة المذهبية مشتعلة هناك». يقول أحد علماء الدين المتحررين من ربقة الوظيفة والمرجعية الحاكمة.
يبدي مراقبون كثر اعتقادهم بأن الفشل الأميركي في العراق والتعثر في فلسطين سيدفعان الأميركيين في اتجاه لبنان. ولا يخفي هؤلاء دهشتهم من حجم التقديمات المالية التي أبدت واشنطن نيتها تقديمها الى الحكومة، إذ «لم يبلغ مرة حجم المساعدات الى دولة بحجم لبنان هذا المقدار»، بحسب رجل الدين نفسه، مشيراً الى استعادة واشنطن لصورة بيروت كقاعدة تجسس وقاعدة لوجستية خلفية، ولافتاً الى ان الولايات المتحدة «تدفع بحلفائها الى التشدد في مواقفهم، فكل التسويات تبدأ بقبول مبدئي من فريق الثورة العزيزة على قلوب 14 آذار، وتنتهي برفض من جانب رئيس وزراء لبنان أو من جانب مفتي الطائفة السنية وليد جنبلاط»!
وسط دعم كبير من الخارج، يظهر هشاشة الحكومة وفريقها، ومع استنفاد أسلحة الدفاع، تنتقل الاكثرية الى سلاحها الأخير: التحريض المذهبي.
الفتنة التي يجري التحريض عليها أسفرت عن مقتل احمد محمود، وكان يمكنها أن تسفر عن مزيد من القتلى إلى أن اكتشفت الاكثرية السنية أنها، لا هي ولا شارعها، في وارد الغوص في حمام دم، وأنها كانت تسير على حافة الهاوية عبر التلويح بالفتنة، تماماً كما كانت تسير على حافة الهاوية بمجابهة تصعيد المعارضة (قبل انسحاب نوابها من الحكومة) بتصعيد لفظي اعتبرته سلاحها السري في لعبة توازن رعب لا تعرف عنها أكثر من اسمها، وها هي اليوم تكررها بلعبة مزدوجة «الفتنة والقاعدة المقبلة على لبنان». إلا أنه، وبعدما أدت لعبة الفتنة ضد الشيعة الى إهراق دم أحمد محمود، التفتت الى «حرب توحيد البندقية السنية».
«كان يمكن الجماعة الإسلامية ان تلعب دوراً تاريخياً في منع الفتنة السنية ـــ الشيعية كما في منع التعرض للمعارضة السنية» يقول أحد علماء الدين، الذي يؤكد أن العمل اليوم يجب أن يتمحور حول هذه النقطة لتحصين الوحدة.
أكثر من يتعرض للفتنة السنية ـــ السنية هم أعضاء تجمع العلماء المسلمين من شيوخ السنة، الذين تُصفّى أوضاعهم بمجرد مشاركتهم في صلاة الجمعة، «وكأن الصلاة بين الناس صارت من التهم التي تلقي عليهم الحرم، كما تصدر بيانات مبرمجة للهجوم على تجمع العلماء لا يميز مصدروها تاريخ تأسيس التجمع (بداية الحرب الأهلية أم عقب الاجتياح الاسرائيلي؟)، رامين كل من سوّلت له نفسه بالتعامل مع التجمع بتهمة تزوير العمامة، (وبالمناسبة ما هي متطلبات لبس العمامة إضافة الى الدراسة في معهد شرعي معترف به؟) وهي العمامة نفسها التي أهداهم إيّاها مفتي الجمهورية عندما زاره وفد من التجمع. ولو علم المهتمون حجم امتداد شيوخ تجمع العلماء بين السنة لأدركوا صعوبة ملء مساجد بيروت بالشيوخ السنة في حال إبعاد كل من له علاقة بالتجمع عن الخطابة!
في مواجهة هذا الواقع يتحرك كل من تجمع العلماء وجبهة العمل الاسلامي. وسيعقد مؤتمر صحافي للعلماء السنة الأعضاء في التجمع، يليه احتمال عقد مؤتمر للعلماء السنة والشيعة معاً، فزيارة للأمين العام للجماعة الإسلامية الشيخ فيصل المولوي. في هذه النشاطات ستطرح عناوين رئيسية منها حصر النزاع بجانبه السياسي ومنعه من الامتداد الى الجانب الديني والمذهبي ورفض استخدام المساجد للتعبئة، وسيرد تجمع العلماء في مؤتمره الصحافي على الاتهامات الموجهة إليه وسيؤكد على دوره الوحدوي الإسلامي. أما الاجتماع بالمولوي فله حديث يطول وأدوار كثيرة ممكنة ومطلوبة.