عمر نشابة إميلي ديشه بيكير*
نشرت مجلة شتيرن الألمانية في عددها ما قبل الأخير (7 كانون الأول 2006)مقالاً بعنوان «خروج التحقيق عن مساره: هل يعفو براميرتس عن سوريين بناءً على رغبة أنان؟». كاتب المقال أوليفر شروم هو الصحافي الوحيد الذي رافق لجنة التحقيق الدولية برئاسة ديتليف ميليس سابقاً خلال أسابيع وهو مقرّب جداً من ميليس ومن مساعده رجل الاستخبارات غيرهارد ليمان

في 7 كانون الأول، نشرت مجلة شتيرن STERN الألمانية «تقريراً خاصاً» أظهرت فيه أن رئيس لجنة التحقيق المستقلة سيرج براميرتس أخرج التحقيق في قضية اغتيال الحريري، قصداً، عن مساره خلال الأشهر الـ11 السابقة. يقول كاتب المقال أوليفر شروم إن ديتلف ميليس الذي تولى رئاسة لجنة التحقيق قبل براميرتس كان قد «حلّ بالكامل تقريباً» القضية وتمكن من «كشف المجرمين» قبل استقالته في كانون الثاني 2006. عند اطلاع خلفه على مجريات التحقيق، حثّ ميليس براميرتس على اعتقال العميد السوري رستم غزالة وتسليمه إلى القضاء المختصّ واستجواب الرئيس السوري بشار الأسد على أنه «متهم». وفي كانون الأول 2005 أيام قبل أن يبدأ براميرتس مهمته رئيساً للجنة التحقيق قال ميليس: «مع الأدلة وإفادات الشهود التي أملكها اليوم، يمكنني تقديم ملفّ كامل للمحكمة غداً». ويذكر أن ميليس كان قد أعلن لجريدة الشرق الأوسط في 17 كانون الأول 2005: «سوريا وراء اغتيال الحريري». وفي حديث مطوّل مع «الأخبار» عبر الهاتف يوم الجمعة الفائت، هاجم شروم، المقرّب من ميليس، براميرتس بعنف وقال إنه «كان يهزأ من لبنان والعالم طوال العام الماضي» (واستخدم عبارات نابية في حقّ رئيس لجنة التحقيق الحالي تترفّع «الأخبار» عن نشرها). وأضاف «لا أفهم الأمم المتحدة. مع ميليس، وثق الشعب اللبناني بالجسم القضائي للمرة الأولى. والآن، يموت الناس وبراميرتس المسؤول عن تدهور الأوضاعويؤكد شروم أنه واجه براميرتس بهذه التهم قبل إصدار تقريره الرابع (الذي نشر في 12 كانون الأول الفائت) وأنه كان في إمكان براميرتس كشف المزيد من المعلومات. ولكنه ناقض نفسه عندما قال «براميرتس لا يملك شيئاً ولا يحمل أي ورقة رابحة في يده. كل ما يقوله هو إعادة صياغة استنتاجات ميليس»...
ورداً على سؤال عن سعي براميرتس إلى حماية الشهود عبر المطالبة الملحة في تقاريره ببرنامج لحماية الشهود لتفادي، مثلاً، ما حصل مع الزميل جبران التويني بعد ذكر اسمه وجزء من إفادته في تقرير ميليس الأول، قال شروم لـ«الأخبار» بغضب وبلهجة بدت دفاعية «يختبئ براميرتس وراء هذه التهديدات... علم التويني أنه على لائحة سوداء، ما كان عليه سوى البقاء في باريس!».

ميليس يهاجم الأمم المتحدة

زعم شروم الذي كان الصحافي الوحيد الذي رافق ميليس لأسابيع في تنقلاته وفي أعمال التحقيق والذي يحظى بثقة ميليس وصداقته، أن هذا الأخير «أعلم أنان سراً في 6 تشرين الأول 2005 بأنه سينهي تحقيقه قريباً».
وكانت سوريا تتعرض للكثير من الضغوط ونقلت وسائل الإعلام الأميركية خطط واشنطن بقصف دمشق حين أعلم إبراهيم غمباري، مسؤول الشؤون السياسية في فريق الإدارة العليا في الأمم المتحدة، السفير السوري لدى الأمم المتحدة فيصل المقداد بـ«التهمة» الوشيكة التي كان يعمل ميليس على توثيقها بشكل نهائي. لكن شروم يتّهم في نصّ مقاله في مجلة «شتيرن» غمباري بالتآمر إذ يقول «غمباري الذي سلم المقداد تقرير الأمم المتحدة السرّي والذي يظهر استنتاجات ميليس، طمأنه إلى أن ميليس سيستقيل قريباً»، وأضاف «ما كان على السوريين سوى شراء الوقت». ولم يتوقف شروم عند اتهام غمباري بل اتهم أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بالتآمر إذ قال ان «أنان تحدث إلى الأسد عدة مرات عبر الهاتف من دون علم المحقق ديتليف ميليس (من وراء ظهره)»، وأضاف أن «الرئيس السوري هدّد في رسالة وجّهها الى أنان»، بـ«عواقب خطيرة» على «الوضع المتأزم أصلاً» في المنطقة. ولمّح شروم إلى أن أنان كان يحاول حماية سوريا.

براميرتس طرد ليمان من لجنة التحقيق؟

حين تسلّم براميرتس رئاسة لجنة التحقيق، رفض تسمية أو اتهام أو توقيف أحد. وفي أربعة تقارير متتالية للجنة عرض براميرتس تفاصيل إجرائية وتقنية وأثنى على «تعاون سوريا المرضي والفعّال»، يؤكد شروم على ذلك في مقاله لكنه يضيف أن براميرتس طرد من اللجنة «أهم المحققين» الذين استخدمهم ميليس ويرجّح ان من بين هؤلاء رجل الاستخبارات الألماني غيرهارد ليمان، وكان أحد أعضاء لجنة التحقيق برئاسة ميليس قد قال لأحد الصحافيين في حديث خاص إن ليمان كان مرشّحاً ليخلف ميليس في رئاسة اللجنة لكن ذلك لم يحصل ما خلق توتراً بين ليمان وبراميرتس لاحقاً. وضاعف براميرتس عدد موظفي اللجنة من 90 إلى 180 وزاد الموازنة من 12 مليون دولار لفترة ستة أشهر إلى 60 مليون دولار للعام، ولكن شروم استخلص في مقاله أن براميرتس الذي «لم يضف أي جديد إلى ما توصّل إليه ميليس» لم يضع الوقت فحسب بل «أضاع الأموال أيضاً».

ميليس يتّهم حزب الله عبر شروم

يقول شروم إن تصرف براميرتس «المتساهل مع سوريا كان له نتائج وخيمة إقليمياً». وفي جملة لافتة تشير الى محاولة ربط بين المقاومة لإسرائيل والتحقيق في جريمة اغتيال الحريري، يقول شروم: «في 15 حزيران، يشير براميرتس إلى أن الجمهورية العربية السورية أظهرت تقدماً في تعاونها مع التحقيق وأجريت عدة اجتماعات مع الرئيس ونائبه. بعد شهر، خطف حزب الله جنديين اسرائيليين. واندلعت حرب جديدة في الشرق الأوسط». ويظهر شروم ثقته بأن العملية التي قام بها حزب الله في 12 تموز هدفت إلى زعزعة مسألة المحكمة الدولية. فرأى شروم «كان حزب الله يعزز عملياته كلما اقترب ميليس من نشر تقرير عن التحقيقات في جريمة اغتيال الحريري».
وعلمت «الأخبار» أن شروم في صدد إصدار كتاب في 13 آذار (ويا للصدف!) بعنوان «القتلة كصانعي سلام: سوريا وحزب الله وألاعيب الأمم المتحدة المزدوجة في لبنان»، حيث يؤكد نظرية ميليس لجهة علاقة توقيت عمليات المقاومة مع توقيت نشر تقارير التحقيقات.
شروم المتحدّث باسم ليمان
تابع أوليفر شروم مسيرة مكافحة الارهاب منذ الثمانينيات من القرن الماضي. وقد أصدر كتاباً عن ضابط الاستخبارات الألماني غيرهارد ليمان، مساعد ميليس في لجنة التحقيق الدولية سابقاً. وكان ليمان قد أعطى شروم المعلومات المنشورة في كتاب تحت عنوان «مهمة خطرة: قصة أهمّ محقق ألماني في قضايا مكافحة الإرهاب» الذي نشر في أيلول 2005 بشرط إخفاء هوية ليمان تحت اسم مستعار هو «ريشارد بوتشر». وكان أحد المحققين في فريق ميليس يدعى جونتر نايفر قد كشف في تشرين الثاني 2005 في حديث خاص مع أحد الصحافيين، أن بوتشر هو في الحقيقة ليمان، وهذا ما نشرته الصحافة الألمانية في شباط 2006. وتورط ليمان منذ ذلك الحين في فضيحة اختطاف مواطن ألماني، من أصل لبناني، يدعى خالد المصري. اختُطف المصري على يد عناصر وكالة الاستخبارات الأميركية أواخر عام 2003 في مقدونيا وأُحضر الى أفغانستان حيث تعرض للتعذيب طوال خمسة أشهر. وتبين لاحقاً أن المصري بريء وأنه لا علاقة له بالتنظيمات الإرهابية وأن توقيفه جاء بسبب خطأ في الأسماء. وكان المصري قد ادّعى انه تعرّف بليمان في سجن «سولت بيت» (عبارة تعني بالعربية «خندق الملح») في أفغانستان على أنه محقق باسم «سام» الذي استجوبه في كابول. نفى ليمان هذه التهم. يذكر انه في حال ثبوت تورّطه في هذه القضية فسيواجه ليمان عقوبة السجن بتهمة الكذب تحت القسم والتواطؤ في خطف مواطن ألماني بطريقة غير شرعية واعتقاله وتعذيبه. لكن اللافت في هذه المسألة هو أن الصحافي أوليفر شروم نفسه هو الشاهد الوحيد الذي يسعى الى تبرئة ليمان من هذه التهم. فقال شروم أمام لجنة أوروبية إن ليمان لم يكن في أفغانستان وإنه ليس الشخص نفسه الذي يدعى «سام». وما يدعو الى الاستغراب هنا هو أن ليمان قال إنه لم يكن في أفغانستان وإنه كان يقضي عطلة في ألمانيا وعندما سألته اللجنة الأوروبية عن مكان قضائه العطلة ادّعى أنه لا يتذكّر. ومنذ أقلّ من شهر ظهر الصحافي شروم ليدّعي أنه كان برفقة ليمان خلال العطلة مؤكداً أنه لم يقم باستجواب المصري.

التحقيق بين ميليس وبراميرتس

بعد صدور ستة تقارير عن لجنة التحقيق الدولية (اثنان للجنة برئاسة ميليس وأربعة للجنة برئاسة براميرتس) منذ إنشائها بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يبدو الفارق واسعاً بين المنهجية العلمية المهنية الدقيقة التي يتبعها براميرتس والأسلوب الاستخباري الاتهامي المتسرّع الذي اعتمده ميليس. فبراميرتس متشدّد في احترام المعايير الدولية بينما يبدو تساهل ميليس واضحاً في هذه الناحية. نذكر هنا أهمّ المحاور التي تشير الى فوارق:
أولاً، في إدارة مسرح الجريمة: يبدو أن ميليس لم يقم بالمطلوب ولم يستثمر مسرح الجريمة بشكل كافٍ ما دفع براميرتس الى تركيب خيمة عملاقة في مسرح الجريمة خلال كانون الثاني 2006، وذلك بعد 11 شهراً من اغتيال الحريري وأكثر من ستة أشهر من بدء ميليس التحقيقات. وفي تقريره الأول (تقرير اللجنة الثالث) ذكر براميرتس ان فريق التحقيق كان ناقصاً من الناحية التقنية. وعيّن براميرتس خبراء جدداً لتفحّص موجودات مسرح الجريمة. يدلّ ذلك على عدم قيام ميليس بواجباته وبتسرّعه لكون البحث في مسرح الجريمة خطوة أوّلية في التحقيق. ولم يطلب ميليس تركيب خيمة في المكان ما قد أثر بشكل سلبي في الأدلة بسبب العوامل الطبيعية، وفي سرّية التحقيق بسبب رؤية ما يقوم به المحققون والأدلة التي يحصلون عليها.
ثانياً، في كتابة وصياغة التقارير: يذكر أن التقرير الأول حذفت منه بعض الأسماء التي كانت مذكورة في نسخته الأصلية. وظهر ذلك للجميع بعدما سُرّبت الى وسائل الإعلام نسخة من التقرير سُجّلت عليها التعديلات كما ذكرت الأسماء التي حذفت. هذا الامر يعدّ غير مهني وخصوصاً أنه يتعلّق بتحقيق قضائي دقيق. والأخطر من ذلك هو أن يكون هذا التسريب قد حصل عن قصد لأن هذه الطريقة في التعاطي مع التحقيقات الجنائية لا تتسم بالاحتراف ولا تعير اهتماماً للأخلاقيات المهنية. وإن القارىء والمتابع ليُلاحظ الفارق الكبير في الصياغة بين نصوص التقارير الصادرة عن ميليس وتلك الصادرة عن براميرتس من ناحية استخدام العبارات التقنية وتنظيم المضمون ودقّة التعابير والأخلاقيات المهنية.
ثالثاً، في التوقيفات: إن مهمة لجنة التحقيق هي مساندة ومساعدة القضاء اللبناني في التحقيقات ولا يحقّ للجنة اتهام جهة أو توقيف أشخاص مشتبه فيهم. وكانت اللجنة برئاسة ميليس قد أرسلت توصية لتوقيف الضباط الأربعة واستندت في توصيتها إلى إفادتي الشاهدين هسام هسام ومحمد زهير الصديق. لكن يبدو أن هاتين الإفادتين لا يمكن مهنياً الاعتماد على ما تتضمّنانه من معلومات بسبب عدم صدقيتهما وبالتالي يبدو أن ميليس تسرّع في إرسال توصياته الى القضاء اللبناني أو أنه كان ربّما يعمل لخدمة جهات سياسية معيّنة تعادي الضباط الأربعة.
رابعاً، في التعاطي مع الإعلام: تحدّث ميليس الى وسائل الإعلام بإسهاب وأنجز عدداً كبيراً من المقابلات وعقد مؤتمرات صحافية. وكشف ميليس أنه «واثق بأن سوريا وراء اغتيال الحريري». بينما لم يقم براميرتس بأي مقابلة صحافية بل فضّل التكتم حفاظاً على سرّية التحقيق ومنعاً لاستخدام ما يقوله في السياسة.
خامساً، في الترجمة: أشار براميرتس في تقريره الأول (تقرير اللجنة الثالث) الى حاجة لجنة التحقيق الملحّة إلى مترجمين وأوضح أنه ينبغي احترام المعايير الدولية والمهنية في الترجمة حتى تقبل المحكمة الدولية الإفادات المترجمة. يذكر هنا أن المترجمين المحلّفين في لبنان لا يتّبعون بالضرورة المعايير القانونية الدولية. وكان ميليس قد نشر عدداً من إفادات الشهود في تقريره الأول ويبدو ان تلك الإفادات ليست مترجمة بالطريقة التي تجعلها مقبولة في المحكمة الدولية.
سادساً، في العلاقة بالضحايا والمشتبه فيهم: لا علاقة لبراميرتس بالضحايا وذويهم ولا بالمشتبه فيهم وليس له تاريخ في اتهام أي جهة في المنطقة بالضلوع في أعمال إرهابية كما هي حال ميليس. ففي الرابع من تشرين الأول عام 2001 اتهم ميليس سوريا وايران بالضلوع في إرهاب الدولة خلال مرافعته في محكمة ألمانية. أما عن علاقة ميليس بالشهود والضحايا وذويهم فكان ميليس يقوم بزيارات ويستقبل الموفدين. وأعرب بعض هؤلاء عن امتعاضهم عندما رفض براميرتس استقبالهم وأصرّ على التعامل المهني مع الجميع.

* صحافية ألمانية.




التحقيق الدولي

عيّن ديتليف ميليس رئيساً للجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال رفيق الحريري بتاريخ 13/05/2005
أصدرت اللجنة التقرير الأول في 21/10/2005
أصدرت اللجنة التقرير الثاني في 20/12/2005
عيّن سيرج براميرتس رئيساً للجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال رفيق الحريري في 17/01/2006
أصدرت اللجنة التقرير الثالث بتاريخ 15/03/2006
أصدرت اللجنة التقريرالرابع في 12/06/2006
أصدرت اللجنة التقرير الخامس في 25/09/2006
أصدرت اللجنة التقرير السادس في 10/12/2006