الجنوب ـــ بهية العينين
يقف الشارع الفلسطيني في لبنان على حافة انفجار اجتماعي، نتيجة عدم قبض الفلسطينيين داخل المخيمات رواتبهم المستحقة لهم منذ تسعة أشهر، من المنظمات والمؤسسات الفلسطينية التي تشكل أكبر داعم اقتصادي لنحو 500 ألف فلسطيني في اثني عشر مخيماً في لبنان

تتفاعل أزمة عدم حصول الفلسطينيين على رواتبهم من المنظمات الفلسطينية التي يعملون فيها. وتبدو أزمتهم معلّقة حتّى ولادة حكومة اتحاد وطني. يكبر هاجس الفلسطينيين، وسط شيوع أخبار عن إمكان صرف عدد من العاملين بغية تخفيف النفقات، ما يهدد ببطالة تزيد حدة الأزمة.
وتعزز التناقضات التي نقرأها في تصريحات المسؤولين الفلسطينيين هذا الهاجس. ففيما ينفي المسؤول عن التعبئة والتنظيم في حركة فتح رفعت شناعة مثل هذه الأخبار، مؤكداً أنه «ليس لدى منظمة التحرير الفلسطينية أي خطة مستقبلية لخفض عدد الموظفين أو العناصر في المؤسسات كافة»، يكشف المسؤول السياسي لحركة «حماس» في الجنوب أبو خالد جهاد، أن «لدى المنظمة خطة وترتيبات تقضي بتخفيف العناصر غير الفلسطينية العاملة معها في لبنان، وإنهاء تفريغ عدد من الفلسطينيين وترحيلهم الى مكان إقامتهم».
وتبيّن الأرقام أن 60 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتقاضون رواتب شهرية، ومن بينهم الأشبال والطلبة والمناصرون والمؤيدون للمنظمات ومؤسسات عمالية وصحية وتربوية. ويحمّل شناعة مسؤولية الأزمة الى «حركة حماس التي تسيء الأداء على المستوى المالي بعدم صرفها رواتب الموظفين، وقبضها على القرار لغير صالح الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه». ويرى أن الحل «بحكومة اتحاد وطني تجمع بين الأطراف الفلسطينية كافة ويتم من خلالها تغليب المصلحة الوطنية»، محذراً من أن «عدم الإسراع بالحل سيفجّر أزمات داخل الشعب الفلسطيني وخارجه».
ويؤكد أن «منظمة التحرير الفلسطينية ما زالت تقوم بواجبها تجاه شعبها في لبنان ضمن إمكاناتها»، نافياً أن يكون هناك «أي خطة مستقبلية للمنظمة من أجل خفض عدد الموظفين أو العناصر المتفرغة في المؤسسات الفلسطينية كافة في لبنان، لأن ذلك يخلق أزمة بطالة حادة ليس باستطاعة المجتمع الفلسطيني تحملها».
في المقابل، يعزو جهاد الأزمة الى «الحصار الكبير المفروض على الحكومة من جانب العدو الإسرائيلي والدول الداعمة له»، مشيراً الى «أننا نخوض نضالاً سياسياً كبيراً من أجل فك الحصار وإعادة الدورة المالية الى وضعها السابق»، معتبراً «أن ذلك لن يتم إلا من خلال تعاون الإخوة في حركة فتح والفصائل كافة مع حكومة حماس من أجل إنجاز واقع فلسطيني جديد يتصدى لكل الأزمات التي يعيشها الشعب الفلسطيني».
ويؤكد أن لدى منظمة التحرير خطة من أجل تخفيف عدد العناصر غير الفلسطينية العاملة معها في لبنان، إضافة الى إنهاء تفريغ عدد من العناصر الفلسطينية بغية تخفيف النفقات». ويشرح أن «المنظمة تقوم بترتيبات جديدة منها ترحيل عدد من عناصرها الى مكان إقامتهم بحسب بطاقاتهم، وأغلبيتهم من مخيمات سوريا، وتقليص عدد العناصر على حواجز المخيمات في صور وضبط بعض السلاح». ملمحاً الى «احتمال كبير بأن يكون هناك تنسيق بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية»، متمنياً «ألاّ تستثني أي فصيل فلسطيني من أي موضوع فلسطيني».
وتتجلى المأساة في مخيم الرشيدية في صور الذي يضم 65 ألف فلسطيني من الخمسمئة ألف الموزعين على المخيمات في المناطق اللبنانية كافة، يزيدها حدةً عدم توافر فرص العمل هناك، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير الذي أتى على البساتين والمزروعات مورد رزق العديدين منهم.
وفي هذا الإطار تقول خديجة زمزم إحدى المقيمات في المخيم: «إن الشعب الفلسطيني في غزة قرر أن يأكل الصعتر والزيت، أما نحن في لبنان فقد قررنا أن نأكل العدس والأرز، لكن العدس والأرز هذه المرة يأكله السوس، لأنه فاسد، وقد قدمته الأونروا طعاماً إلى الفلسطينيين الذين لا يجدون ما يأكلونه في ظل عدم قبض رواتبهم منذ 9 أشهر».
ويشرح المعاناة فلسطيني آخر رفض الكشف عن اسمه بحكم عمله في السلك العسكري التابع لإحدى المنظمات:
«راتبي قليل لا يتعدى 200 دولار شهرياً ولا يكفيني وعائلتي المكوّنة من خمسة أفراد لأول أسبوع من الشهر. كيف أستطيع الاستمرار وأنا لم أرَ دولاراً منذ تسعة شهور؟». وبحسرة يضيف: «يبدو أن الحالة طويلة، لقد بحثت عن عمل لكنني لم أجد، ففي منطقة صور هناك أزمة بطالة كبيرة بسبب الدمار الكبير الذي أصابها نتيجة العدوان الإسرائيلي في تموز الماضي، والذي جعل من البساتين والأراضي الزراعية أماكن ممنوعة اللمس بسبب القنابل غير المنفجرة».