strong>نادر فوز
ضبط الناظر مجموعة من التلاميذ يتاجرون بصور وشعارات حزبية خلال الدوام الدراسي، فصودرت الممنوعات وحُجز تلميذان في غرفة المعاقبة تمهيداً لإحالتهما على القضاء المختص. تشكّل هذه الحادثة واحدة من مجموعة حوادث ستبدّل من مهمات إدارات المدارس لتصبح سلطات مراقبة لمنع أي عمل سياسي ينقل من خلاله التلامذة الأجواء السياسية المشحونة إلى داخل مدارسهم


يُجمع العديد من معلمي المدارس على أنّ تلامذتهم يعيشون منذ شباط 2005 حالة من التأثر «المريب» بالأزمات السياسية الحادة، فينقلون إلى صفوف دراستهم أجواء بيئاتهم المختلفة. يتناقشون في ما بينهم، يتعاركون أحياناً، ينقسمون دائماً، لكن تجمعهم أخيراً صافرة الناظر للوقوف في الصف والعودة إلى قاعات الدراسة.
تلامذة بين المعارضة والموالاة
تعجز الإدارات عن ضبط الخلاف السياسي بشكل كامل، إلا أنها تسعى قدر الإمكان إلى تجنّب أي حادث، فعمدت معظمها إلى منع الصور والشعارات الحزبية، وصولاً إلى عدم السماح بلبس أي لون يعبّر عن طرف سياسيّ، والتقيّد باللباس الرسمي لكل مدرسة. هذه القوانين التي اعتمدتها بعض المدارس دفعت عدداً من تلاميذ إحدى مدارس بيروت، من الصف الثامن أساسي، «المؤيدين» لأطراف سياسية مختلفة، إلى كتابة عريضة يتهمون فيها إدارة المدرسة بضرب الحريات وبالنهج غير الديموقراطييختلف تأثير الانتماء السياسي من مستوى دراسي لآخر، إذ من المنطقي أن تكون أجواء الثانويات أكثر «هياجاً» من أجواء الصفوف الابتدائية والتكميلية، إذ إنّ تلامذة «الأساسي» ينخرطون أيضاً في «العمل» السياسي، لكن يطغى عليه طابع المرح واللهو لا مفاهيم «الخبيط والسكاكين».
تروي بعض معلمات الصفوف الأساسية بعض الأحداث «السياسية» الطريفة التي تصادفها خلال التعليم. تتحدث مريم، وهي معلمة لغة فرنسية في إحدى المدارس الخاصة في الضاحية الجنوبية لبيروت، عن محاور قائمة بين تلاميذها، على رغم أن الأغلبية المطلقة بحكم بيئة المدرسة وموقعها هي مع تحالف 8 آذار، وقد منعت الإدارة أي شكل من أشكال التعبير عن الانتماءات السياسية. تقول مريم إنّ في أحد صفوف الثامن أساسي تواجه تلميذة مشاكل كثيرة مع زملائها لمجرد تأييدها تيار المستقبل. فبعد عزل شبه تام من جانب «تلامذة المقاومة»، طلبت مريم إعداد فرض «portrait» عن شخصية معيّنة يختارها الطلاب. حاولت «مندوبة 14 آذار» طرح بورتريه عن السيد حسن نصر الله أو الجنرال العون ففوجئت بموجة من التوعّدات والتهديدات، اكتفت بعدها بالكتابة عن أبيها. أما زملاؤها فمنهم من قدّموا بورتريهات ساخرة عن زعماء 14 آذار. لكن الفرض الذي نال العلامة الأعلى كان بورتريه للرئيس فؤاد السنيورة تضمّن تهكّماً على شخصيته الحنونة و«دناءة نفسه» وتميّزه بحبه للبنات «السود» (أي رايس). تدافع مريم عن تقويمها عمل التلامذة قائلة إنّ علامة هذا الفرض لم تأت نتيجة موقف سياسي بل لجودة الموضوع وصياغته الجيدة، مضيفةً «أنا أحاول دائماً تحييد التلاميذ عن السياسة ليركزوا على دروسهم»!
فداء، زميلة مريم في المدرسة نفسها، تتحدث عن «إيماءات» كان يقوم بها تلميذان في صفها خلال شرحها مادة القواعد العربية. أوقفت التدريس وطلبت منهما توضيح الأمر، فتبيّن أنّ الأول كان يهزّ برأسه صعوداً تأكيداً أنّ الحكومة لن تسقط، فيما كان الآخر «يشدّه» نزولاً إصراراً على إسقاط السنيورة.
حادثة أخرى يرويها فؤاد، أستاذ مادة التاريخ في صف البروفيه في مدرسة في فرن الشباك. فحين كان يتحدث عن الاستقلال اللبناني عام 1943 عارضه عدد من الطلاب، على اعتبار أنّ هناك استقلالاً ثانياً، ثم اختلفوا في ما بينهم على مفهوم هذا الاستقلال الثاني بين التحرير عام 2000 و«ثورة الأرز». ولم ينته هذا النقاش العقيم إلا بعدما أخرج فؤاد تلميذين من الصف.
بالعودة إلى الصفوف المتوسطة، يروي حسن، أحد الأساتذة في مدرسة خاصة في الشياح، كيف حاول التلاميذ تعطيل الدروس لسماع خطاب السيد حسن نصر الله وبدء التحضيرات للاعتصام المفتوح. فشلوا في انقلابهم، فـ«سحب» أحد التلامذة راديو صغيراً تحلّق حوله معظم «الصف» ليسمع نداء السيّد. صودر الجهاز وعوقب التلميذ.
أما «ساعات» الرسم فلها طابع خاص عند الأطفال. فمنهم من يرسم رجال المقاومة يدوسون العلم الإسرائيلي بعنوان «نحن قادمون يا قدس»، ومنهم في الطرف الآخر من يرسم صور «الحكيم» وشعارات الـ«10452» والوحدة الوطنية الممزوجة بالسيادة والحرية والاستقلال.
والأساتذة أيضاً...
لا ينفي عدد من الأساتذة وقوع خلافات بين زملاء لهم نتيجة الانتماءات السياسية. فتروي إحدى المعلمات في مدرسة تابعة للرئيس الشهيد، معاناتها مع عدد من زميلاتها اللواتي لا يتوقّفن عن «تلطيشها» بمواضيع عديدة. ومن العبارات اليومية التي تسمعها «ألا تكفي القذارة التي نشرها النازحون في المدرسة»، «هل هم أفضل من الفلسطينيين، لماذا لم ينصبوا لهم الخيم؟»... من جهتها، لا تحاول المعلمة الردّ عليهنّ خوفاً على الوظيفة، حتى أنها مجبرة على ارتداء «سوار الحقيقة» خلال الدوام المدرسي.
أما نجيب، أستاذ في مدرسة في عين الرمانة، فله «مغامرة» أخرى مع تلاميذه الذين استدرجوه حتى عرفوا أنه في الحزب الشيوعي. عندها انهالت التعليقات والأسئلة: «شو إستاذ بتطرق كاس؟»، «بتصلّي إستاذ؟»، «بتكره الله إستاذ؟». ولاحظ تغيّر تصرفات التلاميذ بعدما اكتشفوا حقيقة انتمائه، فمنهم من لم يعد يهتم بالحصة الدراسية ومنهم من بدأ بإطلاق الشائعات مثل «إنّ أحدهم رأى الاستاذ نجيب يسكر في سيارته». ويروي نجيب معاناة أحد الأساتذة الموالين لـ14 آذار مع زملائه الآخرين «المعارضين». فبعدما «انتفض» هذا الأستاذ على كلام زملائه على السنيورة والحكومة، لم يعد هؤلاء يوجّهون له الكلام ولا يلقون عليه السلام حتى، مكتفين ببعض «التلطيشات».
في مدرسة أخرى في منطقة الشويفات، حيث تمنع الإدارة أي حديث سياسي يجمع بين التلاميذ والأساتذة، تقول سوسن إنّ الأساتذة منقسمون فعلاً، فيشعر «المعارضون» وهم أقلية، بسوء المعاملة وعدم الراحة عند وجودهم مع زملائهم الذين يطلقون الشتائم لزعماء «رياض الصلح وساحة الشهداء» وللمعتصمين: «إن شاء الله تشتّي عليهم»، «بدنا نعيش بحرية ونظافة»، ويعجز «المعارضون» عن تقديم الشكاوى للإدارة خوفاً على وظائفهم.




تعطيل العمليّة التعليميّة

يقول الدكتور عبّاس مكّي، المختص بالعلاج النفسي، أن القضايا السياسية التي يتلقاها الجميع، ومنهم الأطفال، عبر الإعلام والإعلان والأسرة، تكوّن نقاطاً سلبية، فتنتج التعصّب والتحزّب والانفعال، فيشعر التلميذ، أو الطفل، برفض الآخر المختلف، إذ يبدو له «بعيداً» بسبب لون أو إشارة، فيقوم الطفل بردّ فعل معادٍ وخطر ويميّز مكّي بين الدور الإيجابي والدور السلبي للسياسة، إذ يرى أنه يمكن للسياسة أن تفتح أمام التلاميذ آفاقاً ومفاهيم وثقافات تعدّدية، إلا أنّ ما يجري اليوم في المدارس اللبنانية ليس إلا نتيجة الترويج لسياسة انفعال لا لسياسة ثقافية.
ويقول إنّ للسياسة بمفهومها السلبي، نتائج سلبية عديدة يمكن أن تظهر في المدارس أو المجتمع، ومنها الوصول إلى تعطيل العملية التعليمية، إن كان من ناحية الأستاذ أو من ناحية التلميذ.
إذ قد يُدخل المعلّم، في حالة وعيه أو لا وعيه، «الانتماء السياسي» في تقييمه المدرسي فتنكسر العلاقة بينه وبين التلميذ، فتتدنّى قدرة الأخير على الاستيعاب ويرفض أستاذه كمرجعية ثقافية وإدارية. ويمكن أيضاً، في مرحلة ثانية أن تؤدي هذه السياسة الانفعالية إلى العنف والفلتان في عمر المراهقة. ويشير مكي إلى حالات الفوضى والعنف في المدارس في الولايات المتحدة التي تسببها السياسات العنصرية الخاطئة.
أما الأب جورج كرباج، المربّي والمختص بعلم النفس، فيجد نفسه متفائلاً رغم هذه الأزمات التي تتكاثر في المدارس والجامعات. ويربط كرباج هذه الأمور بترهّل البرامج التعليمية وتأثّر القطاع التربوي بالانتماءات السياسية والطائفية التي تشكّل «سرطاناً» مميتاً للتعليم. ورأى أنّ كل أستاذ يحاول توجيه تلاميذه أو التأثير عليهم سياسياًَ يجب أن يُطرد من القطاع التعليمي.
كما يرى في انجرار التلاميذ وراء الأحزاب والسياسة الخطر الأكبر، لكونهم «غير مدركين أنهم ليسوا إلا وقوداً في معركة ليست معركتهم».




حسن وسارة

حسن وسارة تلميذان يختلفان في التوجّهات السياسية. لكن ما يجمع بينهما هو شعورهما بالغربة، كلّ داخل مدرسته.
سارة، تلميذة في الصف السابع أساسي، يختلف انتماؤها السياسي عن انتماءات معظم زملائها في المدرسة. تشعر كأنها مهمّشة من التلامذة، ما يدفعها إلى القول: «ما بيطيقوني، ليش بدي طيقهن؟ على عجقتهم أو على وسخهم؟». تريد المحكمة الدولية لكشف الحقيقة عن قتل «الشيخ رفيق» وترى من يعارضها مشاركاً في الجريمة «أو عميلاً لسوريا». سبب حبها لـ«الشهيد» هو مشاريعه لبناء الوطن وحبّه للحرية ولبنان، «حتى أنه فضّل الموت على أن يكون محكوماً من السوريين».
تتحدّث عن ساحة الشهداء التي وحّدت لبنان ومنحته الحرية والسيادة والاستقلال، وتتساءل عن الأضرار التي خلّفتها الحرب الأخيرة: «ماذا عن التلاميذ الذين تدمّرت مدارسهم ومنازلهم»، ثم تكمل: «نحن لا نزال شباباً ولا نريد الحرب، نريد أن نعيش بسلام بعيداً عن الصواريخ والقتل». وتنهي كلامها: «لماذا الشيعة مصرّون على الحرب التي تكون نتائجها الهزيمة والقتل، لماذا يريدون تدمير لبنان؟»
تتحدث سارة عن معاناتها في الصف والملعب، إذ ينحصر عدد أصدقائها بصديقتين، كما استُثنيت من فريق كرة السلة لرفض التلامذة الآخرين اللعب إلى جانبها؛ «منهم من يعتبرني عميلة»، فيستنسخون
أحاديث أهاليهم.
تجد سارة صعوبةً في التعبير عن انتمائها، إذ تستفز الشارة الزرقاء زملاءها. تسمع الشتائم الموجهة لقوى 14 آذار وتبقى عاجزة عن الرد أو حتى طرح وجهة نظرها، وتكتفي بالقول: «هم معزولون عن اللبنانيين الآخرين».
وفي المقلب الآخر، حسن، تلميذ في مدرسة في فرن الشباك. يعتقد أن مجرّد كونه شيعياً يُشعر عدداً من زملائه بالاشمئزاز فيعاملونه كأنه كائن غريب. فيصفهم بـ«المحدودين المتعصّبين»، رغم أنه وجد بعضاً من «الحلفاء» من «التيار».
يعبّر حسن عن انزعاجه حتّى من بعض الأساتذة. يقول: «لا أعرف لماذا يكرهون السيّد والمقاومة»، ويتساءل: «هل السبب أننا شيعة ونحب الجنوب وفلسطين؟».
تعرّض حسن للمضايقات بعد مشاركته في الاعتصام الحالي، فووجه بعبارات عديدة، منها «أنتم مع السوريين»، «أنتم خرّبتم وسط بيروت ونشرتم فيه القمامة». وتعدّى الأمر ذلك، إذ طاولت الشتائم السيّد حسن نصر الله و«عملاءه المسيحيين».
يرى حسن أنّ المعارضة تسعى إلى نزع سيطرة الأميركيين والإسرائيليين عن السنيورة، و«تطهير الحكومة اللبنانية من كلّ العملاء».




«أحداث... حوادث»

قد يكون من الطبيعي أن تؤثّر السياسة على حياة المواطنين، ومن ضمنهم التلاميذ، فتطغى على علاقاتهم بزملائهم والمحيطين بهم. لكن أزمة أخرى تظهر عندما يتحوّل الانتماء السياسي حاجزاً يمنع التواصل بين الأستاذ وتلميذه.
في إحدى مدارس «الأساسي» في فردان، رفضت إحدى المعلمات تصحيح دفتر تلميذها، لمجرد أنّ غلاف الدفتر لونه برتقالي، فقامت بإعادته له طالبةً منه تغيير دفتره وإعادة كتابة الموضوع ليتم تقييمه.
في مدرسة أخرى خاصة بالبنات قرب جسر الكولا، فضّلت المديرة العامة رفع صوت الموسيقى والأغاني في الملعب على أن تسمح لتلميذاتها بالتعاطي في الشأن السياسي، فحوّلت الباحة خلال الاستراحة إلى «ملهى نهاري» بدل أنّ يتحوّل إلى مكان للاقتتال و«حلش الشعر».




مدارس البقاع: قاعات الصفوف خطوط تماس والصفاء المذهبيّ ليس الحلّ دوماً

البقاع ــ الأخبار*

يقف ناظر متوسّطة رسميّة في البقاع الأوسط «مصدوماً» لدى رؤيته طلّابه يخرجون من قاعات الصفوف إلى الشارع العام والانطلاق في تظاهرة مؤيّدة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة. يعمل جاهداً على منعهم من التعاطي في الشؤون السياسية، حفاظاً على وحدة «المدرسة» والتلامذة: «لقد استعنت بالدرك حتى لا تحصل مشكلة، ويتعارك الطلاب بعضهم مع بعض. لم أستطع أنا والأساتذة السيطرة عليهم. رفضوا الدخول إلى الصفوف والبدء بتلقي الدروس... واتُّهِمنا فوراً بأننا من الأعداء»يشعر الناظر بالأسى والحزن لما آلت إليه أوضاع مدرسته المعروفة في المنطقة بمستواها التعليمي الجيد والانضباط المدرسي: «أصبح طلاب مدرستنا من «المحلّلين الكبار» في السياسة، ويحفظون أقوال من يحبون من الزعماء عن ظهر قلب. نسوا دروسهم، وأصبحت واجباتهم المدرسية من آخر أولويّاتهم».
الجدير بالذكر أنّ عشرات المدارس الرسمية والخاصة في البقاع بعثت برسائل بريدية إلى الأهالي تنبّههم إلى «خطورة التحدث أمام أولادهم بالسياسة أو استماعهم إلى نشرات الأخبار، لأن الانقسام السياسي العام في البلاد بدأ يطال الصفوف المدرسية وينعكس سلباً على تحصيلهم العلمي».
لم تنجح هذه الرسائل في لجم الانقسامات داخل المدارس وبين الطلاب. ويقول معلّمون في المدارس الرسمية في البقاع إن الصفوف تحوّلت إلى خطوط تماس ومواجهات. ويوضح المدرّس أحمد ب. أنه يمضي نصف ساعة تقريباً من حصة تدريس مادة الرياضيات في إبعاد طلابه بعضهم عن بعض، «وقد نلنا نصيبنا من الضرب، لأننا لم نعطِ رأياً في الانقسام السياسي».
انقسمت مدارس البقاع بعضها على بعض. وأصبحت المدارس «الناجية» من الانقسام نادرة جداً. فالبلدة التي تُعَدُّ من لون طائفي واحد، تصبح تشنّجات طلابها متدنية مقارنة بقرى وبلدات مختلطة طائفياً، كحال منطقة البقاع الأوسط التي تعرف بتنوّعها السياسي والطائفي، وبالتالي «انقسام» مدارسها.
في ثانوية حوش الأمراء الرسمية، تجمّع بعض الطلاب لدى خروجهم من المبنى ودارت نقاشات حادة في ما بينهم داخل الملعب. أبدى كل واحد منهم رأيه بحسب انتمائه السياسي، فيما «الأساتذة» لا يقدرون على فعل أي شيء سوى الاستماع والعمل لإبعادهم عن بعضهم إذا اشتد النقاش. الطالب إلياس الدبس يعدّ نفسه موالياً لـ«القوات اللبنانية» ويسانده رفيقه وليد شحيمي (تيار المستقبل) انتقدا أداء المعارضة واتهماها بتخريب البلد والارتهان لسوريا وإيران موجهين كلامهما إلى زميلهما عباس شكر (حزب الله) الذي تمسك بمواقف الحزب وفريق المعارضة، متهماً فريق السلطة بالتعامل مع الغرب للقضاء على إنجازات المقاومة. ولكي ينهوا النقاش، وخوفاً من معرفة إدارة الثانوية بما يدور بينهم، اتفق الجميع على العودة إلى طاولة الحوار لحل المشاكل، كما أجمعوا على مطالبة الدولة بالإسراع بتأمين الكتاب المدرسي المجاني الذي وعدت به.
هذا المشهد نادراً ما تجده في البقاع الشمالي الذي له ميزات خاصة تختصر جميع الأفرقاء على الساحة السياسية اللبنانية. فبينما لا تشهد مدارس وثانويات مدينة الهرمل وبلدة عرسال أي انقسامات أو فرز سياسي بسبب اللون الطائفي الواحد حيث في الهرمل الولاء المطلق للمعارضة، وفي عرسال ولاء مطلق للموالاة، فإنك تجد في مدارس وثانويات بلدات اللبوة والعين والنبي عثمان والجديدة ورأس بعلبك والقاع انقسامات نتيجة اختلاف الانتماءات السياسية أحياناً وتنوع المذاهب الطائفية أحياناً أخرى. وفي حين لم تسجل حتى الآن أي صدامات بين الطلاب في مختلف مدارس بلدات البقاع الشمالي، فإنّ الجهوزية للانقضاض على الآخر تبدو واضحة في معالم وجوههم، وجلية في نبرات أصواتهم التي تنتظر الانفجار في أيّ لحظة.
ميزة البقاع الشمالي لا تنسحب على البقاع الغربي. ويقول الطالب محمد حسن (14 عاماً) في مدرسة مختلطة، سياسياً وطائفياً، إنه «لم يكن عندي أي انتماء سياسي ولا يعنيني التعصب الطائفي، إلا أنني اليوم مجبر على أن أكون متعصباً لأن طائفتي بخطر». ويعرب رفيقه اياد عبد الله عن انزعاجه عندما يعلن زميله محمد أمامة أنه مؤيد لحكومة السنيورة. ويضيف: «إذا هو تعصب للسنيورة فأنا متعصب
لنصر الله وبري».
ويقول مدير المدرسة (ع.ب.) إن «تعبير التلامذة عن آرائهم السياسية، وتالياً انقساماتهم وعصبياتهم المذهبية يعود الى أهاليهم الذين يتحدثون أمام أولادهم بعصبية، ومن دون رادع أخلاقي، ونحن لا نقوى على شيء».
الانقسام في مدارس البقاع الغربي والأوسط لم يقتصر فقط على التلامذة المتنوعين طائفياً. فالانقسام أيضاً قائم داخل مدرسة من لون طائفي واحد. ففي أزهر البقاع تسأل طالبة عن «سر» وجود زميلة لها مؤيدة للسيد حسن نصر الله، وتقول: «لماذا تؤيد السيد نصر الله الشيعي ولا تؤيد سعد الحريري السني وهي سنية؟». المشهد نفسه انسحب على عدة مدارس في مدينة بعلبك المعروفة بتنوعها السياسي والطائفي. فالانقسام بين التلامذة أدى إلى «مشاحنات» وصلت إلى حد «الصدام»، حيث استطاع مدير إحدى المدارس المتوسطة «لجم» الأمور، مهدداً كل من يتحدث في السياسية بالطرد النهائي.
لكنّ تدخّل الإدارات لا يتمكّن من وقف تفاقم المشكلات دائماً. ففي إحدى مدارس بلدة رياق مثلاً، أثار أحد التلامذة (7سنوات) حفيظة أحد زملائه (15 سنة) بعد أن كان يردد أغنية تهكمية عن أحد السياسيين، فحمله بغضب وقذفه من فوق شريط عال يحيط بملعب المدرسة إلى النهر المجاور. العناية الإلهية أنقذت التلميذ الصغير بسبب خلو مجرى النهر من المياه لندرة الأمطار، فاقتصرت إصابته على كسور ورضوض متفرقة في إنحاء جسمه.
العناية الإلهية وحدها قد تنقذ العام الدراسي، إذا استمرّ التشنّج السياسي على ما هو عليه. والآتي أعظم!




توتّرات «تحت السيطرة» في طرابلس

طرابلس ــ عبد الكافي الصمد

انسحب التوتّر السياسيّ المأزوم في الشارع الطرابلسي والشمالي على المدارس والثانويات والجامعات، الرسمية منها والخاصة، وإن بصورة متفاوتة بين صرح تربوي وآخر.
لكنّ هذا التوتّر لا يزال حتى الآن تحت السيطرة، نتيجة توجيهات كل طرف إلى أنصاره بضرورة الحفاظ على الهدوء، والابتعاد عن الاحتكاك بـ«الطرف الآخر» مهما كانت الأسباب.
وفي هذا السياق، يبذل المشرفون على المؤسسات التربوية جهوداً كبرى لإبقاء النقاش والحوار السياسيين تحت سقف احترام القوانين الداخلية للمؤسسات التربوية، من خلال إيجاد أطر واسعة من التعاون بين أفراد الهيئتين الإدارية والتعليمية مع مجالس الطلبة والأهل، الأمر الذي جعل الهدوء يطبع، أقله حتى الآن، انطلاقة العام الدراسي في طرابلس وبقية المناطق الشمالية.
غير أن هذا «الهدوء» عكرته جملة حوادث كادت تخرج عن السيطرة، لو لم يسارع المسؤولون إلى لجمها سريعاً، وخصوصاً في ثانوية القبة الرسمية، إضافة إلى مشاهد خروج الطلاب من صفوفهم، من غير إذن رسمي، للمشاركة في الاعتصامات المؤيدة أو المعارضة للحكومة على حد سواء، مثلما حدث في المنية والبداوي ومحلة جبل محسن في طرابلس، وهي مشاهد عمل المعنيون على ضبطها حتى لا تنفلت من عقالها.
رئيس المنطقة التربوية في الشمال حسام الدين شحادة أوضح لـ«الأخبار» رفضه وعدم تساهله في «نقل التوتر السياسي من الشارع إلى المدارس»، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن «النقاش والحوار في الأمور السياسية وغيرها، إضافة إلى التظاهر، أمور يكفلها الدستور ما دامت في إطار القوانين المرعية الإجراء».
وأشار شحادة إلى أن «ما يحصل داخل حرم المدارس يقع في إطار مسؤولياتنا، أما ما يقع خارجها فهو من مسؤولية المحافظ، الذي نتعاون وإياه بصورة دائمة من أجل حلحلة أي أمر قد يطرأ».

* شارك في إعداد التحقيق: نقولا أبو رجيلي، نيبال الحايك، سيرين قوبا، رامي بليبل، عبادة كسر، علي فوعاني وأسامة القادري