طارق ترشيشي
بين أهل السياسة من يقول إنه لن يطول الوقت بفريق السلطة حتى يكتشف أن الدعم الاعلامي واللفظي الذي تمحضه إياه إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش لا يعدو كونه محاولة لرفع سقف شروطها تمهيداً للدخول في مساومات أو تسويات اقليمية تتصل بمصالحها في المنطقة، وعندئذ لن يكون هذا الفريق غالياً على قلب واشنطن أكثر من دول وقوى سياسية تحالفت معها في غير منطقة من العالم وتخلت عنها بمجرد ان نالت مآربها. ولعل فرنسا تعرف أكثر من غيرها نكوص واشنطن بوعودها لحلفائها وكانت لها معها تجربة سيئة في بعض البلدان الأفريقية.
وآخر «مآثر» إدارة بوش كانت مع «خادمها الأمين» في الامم المتحدة و«حليف» فريق 14 آذار الذي أهداه «درع الارز» جون بولتون، حيث وعده بوش بتعيينه في موقع آخر في إدارته بعدما أُقيل من منصبه كمندوب للولايات المتحدة في الامم المتحدة ومجلس الامن، لكنه لم يتمكن من ذلك لأن الحزب الديموقراطي الذي اكتسح الانتخابات النصفية الاخيرة في مجلسي النواب والشيوخ، تصدى له رافضاً ان يكون لبولتون أي مكان في الادارة الاميركية فما كان من بوش إلا أن يقول له: "I am sorry" (آسف لأني لم اتمكن من الإيفاء بوعدي لك).
ويتبدّى لبعض الأوساط السياسية من خلال ذلك خشية لدى الاكثرية من أن تسمع قريباً العبارة نفسها من بوش لأنه لم يعد طليق اليدين في السياسة الخارجية بعد هزيمته امام الديموقراطيين في الانتخابات الاخيرة.
وتقول هذه الأوساط إن «النفخ الاميركي» بفريق السلطة هو جزء من صراع اميركي ـــ اميركي، فتوصيات لجنة بيكر ـــ هاملتون في شأن ما يجب ان تكون عليه السياسة الاميركية في المنطقة يدعمها الحزبان الجمهوري والديموقراطي لكنها لا تروق لمجموعة «المحافظين الجدد» المكوّنة من بوش ونائبه ديك تشيني وكوندوليزا رايس ودونالد رامسفيلد واليوت إبرامز وستيفن هادلي غير القادرة على التسليم بالتطور الناجم من الانتخابات الأخيرة. وهي في تصرفاتها الراهنة تبدو خارج سياق الحزبين لهذا فإنها توتر الأوضاع في لبنان وفلسطين والعراق بغية تخريب توصيات لجنة بايكر ـــ هاملتون الداعية الى الانفتاح وحل المشكلات في المنطقة.
ويتبين من خلال ذلك ان موجِّه الاكثرية اللبنانية الحاكمة هو جناح في الإدارة الاميركية أو «بقايا المحافظين الجدد» حيث يطلبون منها تأزيم الوضع اللبناني. فيما التيار الرئيسي في واشنطن يدعو الى تهدئة المنطقة «حتى لا تنفجر بين ايدينا». وترى الاوساط نفسها أن ما يشهده لبنان هو في جانب كبير منه صراع بين الدول، وداخل هذه الدول يفرض على القيادات اللبنانية العمل لمنع ضياع البلد نتيجة هذه الصراعات. وفي هذا الاطار فإن ما تطرحه رايس من ان مستقبل لبنان ليس موضع تفاوض في أي تسوية لا يمثل بالضرورة الموقف الاميركي، ولذلك، فإن لبنان والمنطقة مقبلان على «شهرين اميركيين حاسمين» ستتبلور في خلالهما السياسة الاميركية الجديدة بعد توصيات لجنة بايكر ـــ هاملتون التي لن يتمكن بوش من التفلت منها.
ويبدو أن مبادرة جامعة الدول العربية جاءت لتمرير الوقت الاميركي الضائع بحركة مفاوضات في شأن بنود المبادرة إذا تعذر الوصول الى اتفاق قريب عليها لأن الجميع ينتظر ما سيكون عليه الموقف الاميركي الجديد في المنطقة، علماً بأن كل المواقف والمعطيات تشير حتى الآن إلى أن الاتفاق على حكومة الوحدة الوطنية والمحكمة ذات الطابع الدولي لن يتحقق سريعاً إذ يُخشى نشوء مشكلة على توزيع الحقائب الوزارية وتحديد الأسماء ومن سيبقى من وزراء ومن سيخرج منهم لتحقيق التمثيل المتوازن. لذا يبدو ان توسيع هذه الحكومة وتعديلها ليس أقل سهولة من الاتفاق على مبدئها.
أما موضوع المحكمة فهو ليس سهلاً ايضاً، لأنه إذا اتفق على ان تدرسه الحكومة حسبما تطالب المعارضة على ضوء الملاحظات التي ستضعها «اللجنة السداسية» يكون قد وضع على السكة القانونية والدستورية الصحيحة، أما إذا رفضت الاكثرية وبقيت مصرة على إرساله الى مجلس النواب فإن أمره سيتعقد. وقد تبين ان القيادة الروسية أبلغت الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إصرارها على اتفاق لبناني ــــ لبناني على المحكمة وإلا فإنها لن تكون قادرة على تقديم اي دعم في هذا المجال، ويقف خلف روسيا في هذا الموقف الصين، وكلتاهما مشاركتان في القوة الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» وكذلك فرنسا، وفرنسا هنا شيء ورئيسها جاك شيراك شيء آخر. وهذه الدول الكبرى الثلاث لا تريد انفلات الوضع في لبنان.