جورج شاهين
تعتقد مراجع كتائبية ان حفل قسم اليمين الذي نظمه حزب الكتائب الأحد الماضي شكل محطة فاصلة على المستويين السياسي والحزبي، لا سيما ان خطاب الرئيس الأعلى للحزب الرئيس امين الجميل قدم «قيمة سياسية مضافة» الى الاحتفال، وجاء مكملا سياسيا للنهضة التي يشهدها الحزب منذ المصالحة التاريخية التي كرسها طرفا الصراع في 9 ايلول 2005. اضافة الى الجهود التي بذلها رئيس مجلس المحافظات والأقاليم الكتائبية الوزير والنائب الشهيد بيار الجميل طيلة الأيام الـ 53 التي سبقت اغتياله، فاعتبر هذا الحشد من نتاجه.
على المستوى السياسي رأت القيادة الكتائبية، ومعها سياسيون من مختلف الأوساط، ان خطاب الجميل وثيقة شكلت وصفا للواقع اللبناني والموقف التاريخي للكتائب بثوابته اضافة الى خريطة طريق نحو الحلول المرجوة للمأزق القائم في البلاد. وتميزت ردود الفعل التي تبلغتها القيادة الكتائبية من موالين ومعارضين ومراقبين ازاء ما شهده المهرجان من حشد شبابي. اضف الى ذلك ما تركه خطاب الجميل «الهادىء المتزن» والذي حمل كثيراً من المواقف المعتدلة التي افتقدتها الساحة السياسية اللبنانية منذ فترة غير قصيرة.
وتوقفت القراءة السياسية للخطاب عند اشارة الجميل الى «حاجة اللبنانيين الى مشروع وطني جديد يوحدهم بعد تعدد الساحات»، وتحذيره من «تنامي حركات التطرف وبروز المشاريع الغريبة عن تقاليدنا اللبنانية»، ورفضه العودة بلبنان الى «لعبة المحاور»، من غير ان يتجاهل ان مثل هذه الطروحات تؤكد امام العالم «استحالة ان يعرف كيف يحكم اللبنانيون انفسهم بأنفسهم»، ودعوته الى «مؤتمر وطني يجيب فيه كل طرف بشجاعة ومسؤولية عن السؤال التاريخي: اي لبنان نريد؟» مجددا الرفض لسعي غالبية اللبنانيين الى بناء دولة «لطوائفها ومذاهبهم» وليس «للشعب الصامد منذ دهور ».
كما لفت الجميل الى خطورة وجود اقتناع نهائي لدى بعض الذين اقروا «بلبنان الوطن النهائي من ناحية حدوده واستقلاله» بأن «كل المواثيق الوطنية ليست سوى هدنات دستورية، تنتظر معطيات ديموغرافية او موازين عسكرية جديدة».
وتوقفت القراءة عند تأكيد الجميل على الثوابت الكتائبية والمسلّمات التي باتت مهددة بالمواقف والافكار «الغريبة العجيبة». والثوابت تتلخص بثلاثة: الوجود المسيحي الحر والفاعل في لبنان، الوجود الاسلامي-المسيحي المشترك ولا حياة لأي صيغة او دستور يتنكران لهذا المعطى البديهي، والمحافظة على النظام الديموقراطي لانه يضمن الحريات ويفصل بين السلطات من جهة، ويرعى بتعددية آلياته صيغة التعايش بين اللبنانيين من جهة أخرى.
الى هذا الخطاب، الذي حمل رسائل في اتجاه اطراف لبنانيين موالين ومعارضين، اكد الجميل استعداد الكتائب للتواصل مع الجميع على خلفية خطاب مقبول من كل الاطراف، في وقت ندرت الجهات القادرة على الاتصال والتلاقي مع الجميع في ظل الفرز الحاد في المواقف والمواقع السياسية.
الى القراءة السياسية لحفل القسم لم تقلل المراجع من اهميته الحزبية بوجهيها المسيحي والوطني، وقد اكد الاحتفال ان الكتائب ما قبل 17 كانون الأول هي بالتأكيد غير ما بعده، فليس في وسع أي من الأحزاب المسيحية استقطاب هذا الحجم من القدرات الشبابية، في عصر بات فيه المال السياسي مقياسا للحضور الحزبي، اضافة الى الشحن المذهبي والطائفي والخطاب الغرائزي. ولا يتوهمن احد ان في امكانه ان يتناول الخريطة السياسية والحزبية في لبنان من دون ان يسجل للحزب حضوره في لائحة الاحزاب الاساسية على الساحتين المسيحية واللبنانية.
وفي ظل هذه المعطيات، ومن دون الايغال في التفاصيل، علمت «الأخبار» ان رئيس الحزب كريم بقرادوني اعتبر خطاب الجميل «وثيقة سياسية»، واندفع المكتب السياسي للحزب في اول اجتماع له بعد الاحتفال الى اتخاذ قرار بتشكيل لجنة سياسية من اعضائه تحول الخطاب «وثيقة وطنية» يمكن ان تشكل قاعدة انطلاق الى تحديد موقف الحزب من المأزق الراهن من جوانبه كافة تمهيدا لعرضه بعد الأعياد الى جانب المساعي والمبادرات العربية والغربية المطروحة او تلك التي يمكن ان تطرح على طاولة البحث عن المخارج.