أنطوان سعد
تستذكر الأوساط المراقبة هذه الأيام النصائح التي كان يوجهها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، الى الأكثرية والمعارضة على السواء، بعدم الاندفاع نحو نقطة اللاعودة التي بلغها أخيراً الطرفان اللذان باتا، على ما يبدو، يعولان على تدخل ما، عربي أساساً، لإيجاد تسوية للمأزق الحالي. وفي انتظار غودو، ستبقى الاعتصامات وخيامها في وسط بيروت طوال فترة الأعياد المقبلة مع ما تسببه من ركود وقنوط وأزمات على مستوى الحركة الاقتصادية، ومع ما تشكله من وضع خطير قابل للتفجير في أية لحظة. وقد أعرب أحد السياسيين المخضرمين غير المحسوبين على طرفي النزاع عن قلقه البالغ جراء الأوضاع الحالية معتبراً أن عناصر اشتعال الفتنة كلها متوافرة وأن «معجزة فقط تنقذ البلاد منها».
إزاء هذه الأوضاع، لا يخفي بطريرك الموارنة قلقه أمام زواره واستياءه من أداء السياسيين اللبنانيين الذين لا يحسنون قراءة نتائج أفعالهم وتوقع ردود فعل أخصامهم وإعداد الخطوة التالية لها. ويتساءل عن مصير المواطنين العاديين الذين لا يبدو أنهم يشغلون حيزاً مهماً في اهتمامات المسؤولين في السلطة والمعارضة غير الحافلتين بما يصيب الشعب الرازح تحت ضغوط وأعباء كبيرة. ويضيف البطريرك صفير في مجالسه أن الثوابت الصادرة عن بكركي رمت إلى تقريب وجهات النظر بين الأكثرية والمعارضة ولإعطائهما فرصة للتراجع عن المواجهة مع حفظ ماء الوجه لكل منهما، غير أن الطرفين اكتفيا بالإشادة وإبداء الاستعداد للتجاوب معها، من دون المبادرة إلى ذلك.
ومنذ اللحظة الأولى لصدور ورقة الثوابت مطلع الشهر الجاري، بدا أن ثمة تحفظاً لفريق السلطة عليها لناحية ترتيب البنود وبالتحديد في الشأن المتعلق بإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وقد سعى أنصار هذا الفريق لدى بكركي لإجراء تعديل في ترتيب البنود كي تصبح موافقته كاملة تمهيداً لتبنيها والسير بها كسلّة متكاملة للحل. بيد أن الدوائر المختصة في الصرح أبلغت من راجعها في الأمر أن بكركي غير متمسكة بالترتيب الوارد في الوثيقة ويمكن أن يتم الاتفاق بين طرفي النزاع على ترتيب آخر، لكن من غير الممكن إصدار ورقة ثوابت جديدة تنطوي على ترتيب مختلف لبنود مشروع حل الأزمة القائمة.
وما يلفت النظر أن المعارضة التي أعلنت تمسكها بالترتيب الوارد في الوثيقة لم تبادر من جهتها إلى طرحها على بساط البحث، بل اكتفت بالموافقة عليها مفسحة في المجال أمام محاولات التوسط التي قادها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وموفد الرئيس السوداني مصطفى عثمان إسماعيل. وفي هذا الإطار، تقول أوساط المعارضة إنها لا تزال على موقفها «الداعم للورقة البطريركية التي حضرت في شكل أساسي في اجتماعها الذي عقدته أول من أمس في منزل الرئيس عمر كرامي، لكنها آثرت عدم الإتيان على ذكره في البيان الصادر عن الاجتماع كيلا تتهم باستغلال الوثيقة البطريركية سعياً وراء تعويم موقفها وإحراج أوساط الأكثرية التي أهملت مبادرة بكركي».
في المقابل، ترفض قوى 14 آذار تحميلها مسؤولية عدم تفعيل ورقة الثوابت، مشيرة إلى مواقف التأييد التي أخذها معظم رموز الأكثرية حيالها. وتضيف أوساط الفريق الحاكم أن «عدم تحول الوثيقة البطريركية التي هي نوع من خارطة الطريق لحل الأزمة إلى مبادرة عملية مردّه عدم وجود مرجعية حيادية محلية صالحة لتولي هذه المسؤولية، خصوصاً أن البطريركية لم تبد في شكل واضح استعداداً للقيام بهذا الدور، بل اكتفت بنوع من إعلان مبادئ تاركة كل طرف أمام مسؤولياته».
أما أوساط بكركي فلا تخفي استياءها من طريقة تعاطي السياسيين مع ورقة الثوابت خصوصاً لناحية اجتزاء ما جاء فيها بحيث أخذ كل طرف ما يناسبه وأهمل ما يناسب الطرف الآخر. وحول ما إذا كان ثمة استعداد لتحويل الوثيقة إلى مبادرة عملية تكشف هذه الأوساط عن استئناف المطارنة بولس مطر وسمير مظلوم ويوسف بشارة الذين تولوا إعداد الوثيقة، لتحركهم في القريب العاجل، حيث من المقرر، كخطوة أولى، أن يبدأوا سلسلة اتصالات مع القيادات المسيحية تمهيداً لوضع مسودة ميثاق الشرف المشار إليه في ورقة الثوابت، ومحاولة تحقيق توافق المسيحيين ومن ثم اللبنانيين عموماً عليها. وإذا نجح مسعى وضع ميثاق شرف حينئذ تكون البنود الأخرى هي الخطوة الثانية.