غسّان سعود
عند التاسعة صباحاً، التقت قرابة عشرين سيدة من التيار الوطني الحر في ساحة الشهداء، حيث يعتصمن مع عائلاتهن. وتوجّهن برفقة قرابة خمسين طالباً من مختلف الجامعات، إلى الصرح البطريركي للقاء البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، بعد ثمانٍ وأربعين ساعة من كلامه، الأحد الماضي، على خشيته من أن ينال العائلة سوء بسبب التجمعات المختلطة، غير المنضبطة، في وسط بيروت. انتظر الزوار بعضهم بعضاً أمام الصرح، وبعد اكتمال عددهم دخلوا إلى حيث كان البطريرك في انتظارهم.
البعض قبّل يده، وآخرون حاولوا أن يضمّوه، وكثيرون تدافعوا لسماعه عن قرب. يبدو المشهد غريباً. فالاعتقاد السائد هو أنّ العونيّين يحبّون البطريرك أقل من غيرهم. لكنهم بدوا، أمس، مغرمين به. كان همّ البعض أن يثبتوا أن البطريرك لهم كما هو لغيرهم. يعلّق أحد الشبان قائلاً إنّ من يستأثر بكلّ مؤسّسات الوطن ويسخر من الشراكة، لا يخجل من الاستئثار بالبطريرك.
وهكذا، حصلت سلامات حارة بين الطلاب العونيين ورأس كنيستهم. ثم ألقيت كلمة للسيدة مارلين خليل باسم الوفد قالت فيها إنهم أتوا إليه بصفته ملجئهم الروحي والوطني والأب لكل المسيحيين. وأشارت إلى تربيتهم في أعرق المؤسسات التربوية المسيحية، وغير المسيحية، على القيم الأخلاقية والدينية، وعلى محبّة الوطن، وتحسس معاناته وآلامه كمناضلين في التيار الوطني الحر. وتابعت: «من أجل هذه الحرية التي نؤمن بها، تعرضنا للقمع والضرب والاعتقال والتوقيف الاعتباطي والنفي... ولم يزدنا ذلك إلا تصميماً على المُضي قدماً».
بعدها، ردَّ البطريرك الماروني بكلمة ترحيبية وتابع: «كلنا يفخر بأن لبنان على رغم صغر رقعته وقلة عدد سكانه ما زال في هذه المنطقة من هذا الشرق مثالاً للحرية. ولكن الظروف والأحوال هي التي تؤثر سلباً فينا جميعاً ولا يمكننا عندما تكون المنطقة مشتعلة ان نقي ذواتنا من حرها».
ثم حصل تبادل للأفكار بين البطريرك والوفد، في أمور متعددة أبرزها الهجرة. وسجل البعض بحماسة قول البطريرك إنه لم يقل لهم ألا يتظاهروا، فيما أكد آخرون أنهم وجّهوا للبطريرك دعوة إلى زيارة الخيم، ورؤية المعتصمين عن قرب، وتحسّس تفاهمهم وانسجامهم بعضهم مع بعض، على رغم تنوّعهم الكبير طائفياً ومناطقياً. ولفت أحد المشاركين إلى قول البطريرك إن الوضع السيئ ما زال على حاله منذ أكثر من ثلاثين سنة.
عايد الوفد البطريرك، وعادت النسوة إلى التهامس في إحدى السيارات حول تفاجئهنّ بالمعاملة الايجابية من المحيطين بالبطريرك. ثمّ عدن والتقين في الرابية، في منزل العماد ميشال عون. والحوار هذه المرّة، بين العماد ونساء تياره والطلاب لم يكن سياسياً، وإنما اجتماعي ديني.