أنطوان سعد
بعدما تعثرت وساطة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وابتعاد حل الأزمة السياسية الراهنة عن متناول اليد، تبرز الحاجة في شكل ملح إلى بلورة الوسيلة الفضلى لإدارة الأزمة القائمة. إذ غالباً ما صحبت الأزمات السياسية الكبرى التي عرفها لبنان منذ عام 1969 «فذلكة» لإدارتها في شكل حاول أن يحفظ البلاد من السقوط في ما هو أدهى من الأزمة المشكو منها لتجنب ما لا تحمد عقباه، ويحفظ للمواطنين مصالحهم واحتياجاتهم الحياتية.
وفي استعراض لأبرز هذه الأزمات، يبدو جلياً أن ما ينقص في الأزمة الراهنة أمران: استعداد المسؤول الممسك بالسلطة التنفيذية لأن يضع بعض الماء في نبيذه وأن يتوانى عن استعمال صلاحياته الدستورية، والثاني محاولة التوصل مع خصمه إلى طريقة لإدارة الأزمة بأقل كلفة وليس تفجيرها بأكبر ثمن. أما خلاف ذلك فيعني بالطبع إجراء تبديل جذري في التقاليد والأعراف اللبنانية التي لا بد من الإقرار بأنها لم تجنب لبنان حرب الـ15 عاماً على رغم النيات للقيادات المتخاصمة في نهاية الستينات والسبعينات والثمانينات، أي إلى حين سقوط الجمهورية الأولى.
إثر اشتباكات بين الجيش اللبناني وتنظيم الصاعقة الفلسطيني التابع لسوريا في السادس من أيار 1969، استقال الرئيس رشيد كرامي. وأعاد الرئيس شارل حلو تكليفه تأليف حكومة جديدة في 20 من الشهر نفسه، لكن الرياح لم تؤات الرئيسين فلم تؤلف الحكومة إلا في 25 تشرين الثاني، أي بعد توقيع اتفاق القاهرة بثلاثة أيام، وبعد أزمة سياسية كبيرة استمرت نحو سبعة أشهر. طوال هذه الأزمة، واصلن الحكومة المستقيلة تصريف الأعمال في ظل تعاون مقبول بين حلو وكرامي اللذين كانا يجتمعان كل أسبوع تقريباً. ويروي سياسي مخضرم أن الرئيس كرامي روى له عام 1975 التالي: «عندما تقدمت باستقالتي شعرت بأنني سأكلف من جديد وبأنني لن أتمكن من تشكيل حكومة. وعندما كلفني الرئيس حلو كنا نعلم سوية أنه ليس في إمكاننا تأليف الحكومة، لكنني قبلت لأن من الأفضل أن تكون هناك حكومة تصريف أعمال على أن تكون هناك وزارة مطعون بها أو مقاطعة لرئيس الجمهورية أو لا تكون حكومة. وصرنا نجتمع أسبوعياً وفي كثير من هذه الاجتماعات لم نأت حتى على ذكر الوزارة العتيدة لأننا علمنا أن المسألة أكبر منا، لكننا واظبنا على هذه اللقاءات للبحث في مصالح المواطنين والتخفيف ما أمكن من حجم الأضرار الواقعة عليهم».
وبعد اندلاع الحرب، كرر الرئيس كرامي التجربة نفسها مع الرئيس سليمان فرنجية الذي كان أقل مرونة من سلفه. وتمكن على رغم المآسي الكبيرة من تصريف الأعمال وتأمين السيولة من المصرف المركزي والغاز إلى المنطقة الشرقية في مقابل تأمين وصول القمح إلى المنطقة الغربية. وكذلك فعل الرئيسان الياس سركيس وشفيق الوزان في الأزمة الوزارية التي تسببت بها حركة «أمل» في تشرين الأول 1980 والتي دامت 59 يوماً، فيما ابتدع الرئيسان أمين الجميل ورشيد كرامي فكرة المراسيم الجوالة لتسيير شؤون الناس بسبب مقاطعة الثاني للأول. وفي كل هذه الحالات، أحجم الرؤساء حلو وفرنجية وسركيس والوزان عن استعمال صلاحياتهم الدستورية حتى لا يتسببوا في تأزم الوضع أكثر مما كان متأزماً، وفي المقابل، كان تصريف الأعمال سلاحاً فعالاً في يد رئيس الحكومة.
رب قائل إن ظروف الرؤساء المشار إليهم لم تكن تسمح لهم بأكثر من ذلك لأن المعارضة حينذاك كانت تتمتع بقدرة التصعيد والتعطيل، كما أن التعاطي بمرونة أدى إلى الحرب المدمرة ولا بد من انتصار مفهوم الدولة وسيادتها وإلا فستتدهور الأحوال مجدداً في لبنان. قد يكون هذا الاعتبار صحيحاً ولكن لا بد من التساؤل عن ثمن قرار المواجهة وكلفته بصرف النظر عن الحق والباطل، كما أنه ينبغي التفكير في سبل إدارة الأزمة الراهنة التي يجمع اللاعبون والمراقبون على أنها طويلة لأن للمواطنين مصالح وحقوقاً بانتظار أن يشرق الحل من مكان ما لا يزال مجهولاً.
لكن على ما يبدو لا تفكير حالياً، لدى السلطة والمعارضة على السواء، في سبل تخفيف الاحتقان أو البحث عن طريقة لإدارة الأزمة لتخفيف العبء على المواطن. فيوم أمس رفض المجلس النيابي تسلم عريضة النواب السبعين، فيما هناك اتجاه إلى عقد اجتماع لمجلس الوزراء في الأيام المقبلة، على ما كشف مصدر في الأكثرية، «رداً على عرقلة المحكمة الدولية ووقوف عريضة النواب على باب المجلس النيابي».