انطون الخوري حرب
يبدو المشهد السياسي عشية عيد الميلاد انقسامياً الى حد انصراف كل من فريقي المواجهة الى ترتيب شكل احتفالي خاص به في وسط بيروت. فحتى الأعياد لم تعد موضوع وفاق اجتماعي كما درجت العادة، حتى في زمن الحرب الأهلية. وهذا ما يؤشر الى انسحاب الانقسام من مستوى القيادات الى الشرائح الشعبية التي تمثلها، وهو اخطر اشكال الانقسام. لذلك يستدعي الوضع الحالي حدثاً استثنائياً بعد افول نجم مبادرة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، واستبعاد ظهور مسعى جديد من قبل طرف آخر مؤثر.
وفي انتظار بروز تطور جديد في مسار الأزمة، تستمر السلطة في موقفها المتصلب ازاء مطالب المعارضة، بالتلازم مع رهانها على انفراط عقد المعارضة بانهيار احد اطرافها، والطرف المعني هنا هو العماد ميشال عون وتياره. ذلك ان الحكومة مقتنعة بأن شعبية عون في تراجع مضطرد، حتى لو لم تستفد من هذا التراجع الأطراف المسيحية في 14 آذار، فالهم الأساسي عند هؤلاء عدم تلبية الشارع المسيحي نداء التيار الوطني الحر للتجمع في ساحة الشهداء، معتبرين ان هذا الشارع انتقل من مرحلة الهمس الى مرحلة التصريح العلني عن عدم رضاه عن تحالفات عون.
وفي هذا السياق، عندما يتساءل البطريرك الماروني نصرالله صفير عن صحة ما يتردد عن تراجع شعبية عون، تأتيه الاجابة بأن المسيحيين الذين ايدوا مواقف الجنرال في مرحلة الوجود السوري، انفض الجزء الأكبر منهم عنه «لالتحاقه بمشروع حزب الله الاقليمي».كما ان الأحداث الأخيرة، وأبرزها جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل، زرعت، بحسب هذه الاجابات، الخوف في المناطق المسيحية ما أثر سلبا في المشاركة في الاعتصامات، اضافة الى «يأس» مناصري عون من امكان تحقيق اهدافه و«تيقنهم» من استحالة وصوله الى رئاسة الجمهورية بسبب الرفض الدولي والداخلي. فلا أحد، في رأي محدثي البطريرك، يريد عون رئيساً الاّ عون نفسه والمقربون منه. وعند ساعة الحقيقة سيعرف الاخير ان حزب الله لا يؤيده للرئاسة.
ويشارك البطريرك صفير محدثيه في بعض تحليلاتهم لجهة استفادة حزب الله من عون وتياره عبر تأمين غطاء مسيحي لتحركاته ومطالبه، ليتمكن من تصوير المعارضة على انها وطنية لا طائفية أو فئوية.
ويلاحظ صفير ان عون لم يستشره او يعلمه او ينسق معه لاعداد ورقة التفاهم مع حزب الله، على رغم ان البطريرك اعتبر زعيم التيار الوطني الحر، المرجعية السياسية الأولى لدى الموارنة بعيد الانتخابات النيابية الاخيرة. كما ان بكركي رأت الناحية الايجابية للحوار بين القوى السياسية التي تمثل طوائف مختلفة، لكن سيد بكركي لا يشارك محدثيه رأيهم بأن اضعاف شعبية عون ستؤدي الى انسحابه من التحرك الشعبي للمعارضة، لا بل ان وجود شريحة مسيحية مع الطائفة الشيعية جنّب البلاد الانزلاق نحو التناحر المذهبي والطائفي.
كما ان صفير يسمع من المقربين لعون عن نية الأخير بالتصعيد السياسي والشعبي بعد الأعياد، لدفع السلطة الى التجاوب مع المعارضة. ويتخوف البطريرك من انعكاس ردة الفعل السياسية سلباً على الاستقرار العام اذا هزم طرف من الأطراف المتواجهة، ولذلك واعتقاداً منه باستحالة انتصار اي فريق على الآخر في المواجهة الحالية، فانه يستشرف تسوية بين الطرفين تقوم على قاعدة التنازل المتبادل في ما يتعلق بالشروط التعجيزية التي يتشبث بها كلا الفريقين. وهذه التسوية في نظر صفير يجب ان تدفع بها ارادة المتواجهين على قاعدة حرصهم على الاستقرار و الاقتصاد من جهة، وعدم السماح للطابور الخامس باستغلال الانقسام الحاصل لجر البلاد الى التقاتل الدموي لأن نتيجته ستكون خسارة كاملة للطرفين معاً.
ويرفض صفير ترويج أجواء عنه توحي بانحيازه الى اخصام العماد عون على الساحة المسيحية، فهو للتو اجهض محاولة احياء لقاء قرنة شهوان بمسعى من النائب بطرس حرب، لاعتباره ان اللقاء انتهى مع اقرار قانون الانتخابات النيابية الجائر عام 2005، و هو لن يسمح باعادة احياء اللقاء تحت مظلة بكركي.
اما بالنسبة الى موقفه الرافض للتحركات الشعبية، فيؤكد البطريرك الماروني ان هذا الموقف ليس موجهاً ضد عون، بل هو موقف مبدئي لبكركي، لم تخرج عنه ابان وجود صفير في سدة البطريركية الا مرة واحدة في 14 آذار 2005 لان الموضوع كان يتعلق بوجود جيش اجنبي يسيطر على مقدرات الدولة، وهو حتى في تلك الفترة لم يؤيد التظاهرات لكنه ايضاً لم يعلن موقفاً سلبياً منها.
يحزن صفير لرؤية اللبنانيين منقسمين الى هذا الحد بعدما نالوا استقلالهم وسيادتهم، لكنه لا يفقد امله بعودة الحوار والعقلانية الى القوى السياسية. وهو يثمن موقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في جريمة قتل الشاب احمد محمود، ويبني على هذه المواقف للسيد والعماد والرئيس نبيه بري امله في الحفاظ على لبنان الحضاري والديموقراطي الذي ينبذ كل اشكال الفتنة والعنف، فهل يصح امل البطريرك؟