وسيم حسن وهبة *
تناقلت معظم وسائل الإعلام وقسم من الرأي العام خبر إحالة مجلس الوزراء لمشروع قانون المحكمة الدولية إلى مجلس النواب، بعد الجلسة التي عقدت في مقر مجلس الوزراء المؤقت في وسط بيروت بتاريخ 12 كانون الأول. ومن يدقق في مقررات مجلس الوزراء في ذلك النهار يكتشف أن مجلس الوزراء لم يحل مشروع القانون إلى مجلس النواب. وقد قرر مجلس الوزراء في جلسته «الإصرار على قرار مجلس الوزراء المتعلق بالموافقة على الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية بشأن إنشاء المحكمة الخاصة للبنان والنظام الأساسي العائد لها، وعلى مشروع المرسوم بإحالة مشروع قانون معجل إلى مجلس النواب للإجازة للحكومة إبرام هذا الاتفاق والنظام الأساسي الملحق به».
وقد استخدمت كلمة «الإصرار» لربط الموضوع بالفقرة الثانية من المادة 65 من الدستور التي تنص على أن رئيس الجمهورية «يصدر المراسيم ويطلب نشرها، وله حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصر مجلس الوزراء على القرار المتخذ أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره». وبالتالي ووفقاً لما خططت له الحكومة، فقد طلب رئيس الجمهورية إعادة النظر بالقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء، وبناءً على ذلك فقد قرر مجلس الوزراء الإصرار على قراره السابق لكي يصبح قراره نافذاً حكماً وموجب النشر. وبالتالي فإن مشروع قانون المحكمة لم يحل رسمياً الى مجلس النواب، ونشرت الحكومة المشروع في العدد 59 من الجريدة الرسمية وسمّته «مرسوم نافذ بتاريخ 12/12/2006». تثير هذه المسألة بعض الاشكالات لا بد من التطرق لها.
أولاً: إن تطبيق الفقرة الثانية من المادة 65 من الدستور على القرارات التي تحوي مشاريع قوانين، يصطدم بالفقرة 6 من المادة 53 من الدستور التي تعدد صلاحيات رئيس الجمهورية. وتنص هذه الفقرة على أن رئيس الجمهورية «يحيل مشاريع القوانين التي ترفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب». وبالتالي فإن النص الدستوري واضح لجهة وجوب إحالة رئيس الجمهورية لأي مشروع قانون محال إليه من مجلس الوزراء ولا يمكن تطبيق أي نص آخر على حالة مشاريع القوانين. وبالتالي فإن المرسوم الذي نشر غير دستوري لأنه يحتوي على مشروع قانون لم يُحله رئيس الجمهورية.
ثانياً: يمكن للحكومة بعد رفض الأمين العام لمجلس النواب استلام عريضة الـ70 نائباً أول من أمس، أن تحيل مشروع القانون إلى مجلس النواب (من رئاسة الحكومة إلى الأمانة العامة لمجلس النواب)، والسؤال الذي يطرح هنا، هو عن دستورية هذه الإحالة وما إذا كان بالامكان الطعن فيها أمام مجلس شورى الدولة.
وإن كان اجتهاد مجلس الشورى يعتبر أن العمل الحكومي محرر بطبيعته من احترام الشرعية، وبالتالي فلا صلاحية للمجلس لمراقبة مشروعية القرار، فإن هناك حالة واحدة يمكن لمجلس الشورى أن يراقب فيها العمل الحكومي وهي حالة أن التدبير المشكو منه صادر بصورة واضحة عن سلطة غير مختصة. وهذا ما أكده المجلس في قضية الوزير جورج أفرام (القرار رقم 189 تاريخ 3/1/1995، جورج أفرام/ الدولة)، إذ اعتبر «أنه في ما يتعلق بالمشروعية الخارجية légalité externe فإنه يقتضي الإشارة إلى أن مراقبة مجلس شورى الدولة تتعلق في الأكثر بالتحقق من وجود العمل المطعون فيه والامتناع عن مراقبة دستورية التدبير المشكو منه إلا في حالة فرضية واحدة: أن يكون التدبير المشكو منه صادراً بجلاء عن سلطة غير صالحة (autorité manifestement incompétente) وما عدا هذه الفرضية فإن تلك الأعمال تندرج في نظام حصانة المقاضاة». وهكذا يتضح لنا أنه إذا ما أحيل فعلاً مشروع قانون المحكمة إلى مجلس النواب، فإن بإمكان كل ذي مصلحة أن يطعن بقرار الإحالة أمام مجلس شورى الدولة.
وخلاصة القول أن مشاريع القوانين التي يقرها مجلس الوزراء، تكون إحالتها إلى مجلس النواب من اختصاص رئيس الجمهورية بموجب نص الفقرة 6 من المادة 53 من الدستور، وبالتالي إن إحالتها من أية جهة أخرى تعرّض هذه الإحالة للطعن أمام مجلس شورى الدولة.

*خبير قانوني