طارق ترشيشي
لم يقدّم فريق السلطة أي تنازل حتى يقابل بتنازل آخر من المعارضة فيُبنى على التنازلين لتظهير حل ينهي الأزمة التي يزيدها استحكاماً انعدام الثقة ويجعل المبادرة العربية قاصرة عن تحقيق مبتغاها.
ويعكس تمسّك الفريق الحاكم بمواقفه أمرين: الرغبة في إبقاء السلطة في قبضته لئلا يتعرض مشروعه السياسي للانهيار، والخوف من آت إقليمي ودولي مجهول يريد أن يعرفه قبل الدخول في أي تسوية.
لكن أوساط الفريق المعارض ترى أن ما يفعله فريق السلطة في لحظات مفصلية من وجوده السياسي الحاكم يؤكد أنه يعيش أوقاتاً حرجة تدفعه الى استعمال كل أنواع الأسلحة، الخفيفة والثقيلة، الداخلية والخارجية، السياسية والطائفية والمذهبية، الاقتصادية والروحية. وبغية تحليل هذه الأسلحة واكتشاف مدى فاعليتها في اختراق جمهور المعارضة وصلابة اعتصامه وعناده في مواقفه، اندفعت الأكثرية الى خوض معركتها الأخيرة على الجبهات الآتية:
ــ جبهة مجلس النواب: حيث فتحتها الأكثرية بـ“قصف صاروخي” على رئيسه نبيه بري بدعوة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة له الى “الفصل” بين رئاسته حركة “أمل” ورئاسة المجلس، وأتبعها بـ“صلية” أُخرى اتهمه فيها بـ“خطف” المجلس و“مصادرته”، فيما قصفته “14 آذار” بإعلانها أن في إمكانها تجاوزه وعقد جلسة برئاسة نائب الرئيس أو رئيس السن. ثم استتبعت ذلك بنشر المحكمة الدولية في الجريدة الرسمية من دون توقيع رئيس الجمهورية، ومن دون انتظار مهلة الأسبوعين الثانية التي هي من حقه لأنه في حال سريانها يكون قد أنقذ رئيس المجلس النيابي من الحرج لأن الإحالة تكون قد وصلت إليه بعد انفراط العقد التشريعي العادي نهاية الشهر الجاري.
وبعد انقلابها على وعدها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بعدم نشر المشروع في الجريدة الرسمية، وجّهت الأكثرية “صلية” أُخرى، تمثّلت بالعريضة النيابية التي أُقفِلت في وجهها أبواب المجلس، فاستعاضت من ذلك بـ“البريد المضمون”، ليتبين أن محاولات “اقتحام” المجلس تتكرر لتحقيق الهدف الأول وهو إسقاط آخر حصن دستوري.
أما الهدف الثاني، فهو سلب بري الصفة التي اكتسبها كجسر لكل الحوارات الداخلية والعربية والدولية، وإظهاره واحداً من آخرين بدلاً من ان يكون متفرّداً بموقعه.
والهدف الثالث هو إظهار الشيعة بأنهم العقبة أمام الحل، حيث تعمل الأكثرية في إعلامها على نزع التنوّع الطائفي والسياسي عن المعارضة وحصرها بـ“حزب الله الشيعي”، لكن ظاهرة بري “الشيعي العربي” تدحض هذه المقولة المذهبية، ولذا لجأت الأكثرية الى إطلاق “الرصاص السياسي الحي” عليه بغية إعادته الى موقعه الشيعي مغادراً موقعه الوطني والعربي والدولي.
ــ الجبهة الاقتصادية، عبر حشد كل الهيئات الاقتصادية والإحصاءات عن الخسائر للتأكيد أن الدين العام المتزايد والركود تتحمل المعارضة مسؤوليتهما، فيما الوقائع تؤكد مسؤولية الفريق الحاكم ونهجه الاقتصادي منذ 1992.
ــ الجبهة السورية، عبر نزع أو تعطيل أي إيجابية للموقف السوري المتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفق تقارير رئيسها القاضي سيرج براميرتس، الذي أكد أن سوريا لبّت كل الطلبات وفي المواقيت المحددة، وقد رد الفريق الحاكم على ذلك بالإيعاز إلى بعض وسائل الإعلام استضافة المحقق السابق ديتليف ميليس لينتقد براميرتس، لكن الأمم المتحدة تدخّلت ومنعت هذه المقابلة.
وفي رأي أوساط المعارضة أن لجوء الأكثرية أول من أمس الى إطلاق “بعض المفرقعات النارية الإعلامية” عبر دهم مقار محازبين قوميين اجتماعيين ومنازلهم في اللحظة التي كان موسى يعلن فيها من دمشق “دعم” سوريا مبادرته ويقدّر “الدور السوري الإيجابي”، الغاية منه طمس كل إيجابية سورية.
ــ جبهة التحريض المذهبي، عبر البيانات التي توزع على المصلّين في بعض أحياء بيروت وتنذرهم بـ“هجوم الشيعة” عليهم من أجل إيجاد جو نفسي ضاغط وصل في بعض الأحيان الى حد طرد بعض أئمة المساجد الذين يخالفون التوجّهات السياسية للأكثرية كما حصل في الناعمة وعرمون ومناطق أُخرى.
وترى أوساط المعارضة أن الأكثرية تعتمد في ذخيرتها لمد هذه الجبهات على الدعم الأميركي غير المحدود لحكومة السنيورة والمترافق مع الدعم الأوروبي “بحيث إن هناك خط طيران من أوروبا الى موقف السرايا لتوفير الدعم اليومي عبر رؤساء حكومات ووزراء خارجية يحملون الماء السياسي لري حكومة ذابلة علّها تبقى حية الى حين انتهاء ما هو منتظر من استحقاقات إقليمية لا يبدو أنها ستكون في مصلحتها”.