strong>بسام القنطار
نشرت مجموعة الأزمات الدولية تقريراً أول من أمس حمل عنوان «لبنان على وشك الانفجار»، حذّرت فيه من أن لبنان على وشك انهيار جديد ما لم يتخل الأطراف المحليون والدوليون عن صراعهم والسعي للوصول إلى تسوية.

يشير تقرير «مجموعة الأزمات الدولية» الذي يقع في 20 صفحة بالانكليزية الى أن «الانقسام السياسي والمذهبي في سياق يحمل فيه النفوذ الخارجي وزناً ثقيلاً ستكون له نتائج إنسانية وتشعبات إقليمية خطيرة».
وأضاف التقرير «أن الأزمة أصبحت تتمحور اليوم حول قضية المحكمة الدولية التي ستلاحق المسؤولين عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحول تشكيلة الحكومة اللبنانية، ما أدى إلى أزمة سياسية دفعت بالفريقين المختلفين إلى حشد أنصارهما».
واعتبر التقرير أن «السياسة التي تمارسها واشنطن للضغط على النظام السوري وعزله والتهديد غير المباشر بإطاحته ارتدت عليها». وأوضح أن «دمشق أثبتت قدرتها على زعزعة استقرار لبنان إذا تم تجاهل ما تعتبره مصالحها الحيوية أو تم حشرها. ولا يمكن التوصل إلى حل دائم للبنان من دون حل مقبول لسوريا».
ويعرض التقرير وجهتي نظر قوى 14 آذار وحزب الله إضافة إلى مواقف سوريا وإيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تجاه العديد من القضايا التي تشكل جزءا من النقاش السياسي والأمني والاقتصادي اللبناني والدولي كنتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
ويعكس التقرير «أزمة الصراعات العميقة المحلية والدولية: رؤية للبنان في المرسى الغربي ضد نظرة عربية مقاومة؛ سوريا ضد إسرائيل؛ الإدارة الأميركية ضد النظام السوري؛ الأنظمة السنية العربية المؤيدة للغرب بقيادة المملكة العربية السعودية ضد السيطرة الإيرانية الشيعية المقاومة؛ وفوق ذلك كله، واشنطن ضد طهران».
وأضاف التقرير «إن أي حل قابل للحياة يجب أن يعكس سلة توافقية شاملة: لجنة مشتركة من الموالاة والمعارضة لمراجعة وتعديل نظام إنشاء المحكمة الدولية لضمان استقلاليتها وعدم تسييسها؛ تزامن في الموافقة البرلمانية على هذا النظام، وتأليف حكومة وحدة وطنية وإقرار قانون انتخابي جديد؛ انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة».
وأكد التقرير «ان على لبنان أن يعالج المسائل الداخلية التي تمكّن وتشجّع على التدخلات الخارجية. وهذا يعني تقوية مؤسسات الدولة وإنهاء الرعاية لنظام الفساد وإلغاء الطائفية السياسية».
وقال مدير مجموعة الأزمات الدولية لمنطقة الشرق الأوسط روبرت مالي «هذا الصراع ليس حول مخططين لانقلاب ضد الديموقراطيين، أو انتفاضة شعبية ضد دولة غير شرعية. إنها شارع ضد شارع، ولبنان ضد لبنان آخر. لا يمكن لأي فريق أن يتحمل الخسارة ولا يمكنه أيضاً الحكم بمفرده». أما كبير المحللين في المجموعة باتريك هايني فاعتبر «أن سياسات الشارع حلت مكان سياسات المؤسسات. وتسبب التظاهرات الحاشدة من ناحية اعتراضات ضخمة من الناحية الأخرى. وتبقى الحرب الأهلية غير مرجحة، لكن تباعد الفرقاء المتزايد، والانقسام المذهبي والتدخلات الخارجية الكثيفة، يجعل التفكير بها أمراً ممكناً مرة أخرى».
وقالت المجموعة انه «في لبنان، لا يمكن لنصف البلاد أن يحكم من دون النصف الآخر وحتماً ليس ضده. وقد يؤدي الصراع على مستقبل البلد إلى نتائج مأساوية». وتعتبر المجموعة أن الأزمة الحالية في لبنان سببها تدخلات القوى الخارجية كما الخصومات الداخلية.
وبحسب التقرير، فإن قيام حوار جدي بين واشنطن وسوريا قد يشجع دمشق على زيادة الضغط على حزب الله، لا سيما عند الحدود مع إسرائيل. ويضيف التقرير «لا يمكن التوصل إلى حل مستدام للازمة اللبنانية، من دون حل اشمل على مستوى المنطقة. وهذا الحل يبدأ بحوار فوري بين الولايات المتحدة وسوريا». وأوضح التقرير ان «على واشنطن ودمشق أن تتباحثا في هواجسهما بشأن لبنان» وكذلك بشأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والوضع في العراق.
من جهة ثانية، يقترح التقرير تعديل صلاحيات المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستكلف النظر في اغتيال الرئيس الحريري، باعتبار أن المسؤولين السوريين يخشون اتهامهم مباشرة في إطار هذه القضية. ومن شأن هذه التعديلات إفهام دمشق أن «الهدف ليس زعزعة النظام السوري الحالي بل منعه مستقبلا من إيذاء لبنان مجددا».
وإذا تم حل هذه المسألة، فسينتفي احد أسباب المواجهة الدائرة حاليا في لبنان بين حكومة فؤاد السنيورة والمعارضة التي يقودها حزب الله، بحسب التقرير.
أما بشأن السبب الثاني للأزمة، أي الخلاف على تشكيلة الحكومة اللبنانية، فتؤيد المجموعة فكرة «تأليف حكومة وحدة وطنية طبقا لاقتراح الجامعة العربية، مع 19 ممثلاً للغالبية (النيابية) و10 للمعارضة ووزير مستقل لا يتمتع بحق التصويت».
ولقد خلصت المجموعة إلى أن رفض احدى التسويات يستتبع رفض التسوية التي تليها. وان مسألة الحكمة الدولية تعتبر مسألة مركزية لسوريا والولايات المتحدة الأميركية ولقوى 14 آذار والمعارضة اللبنانية وان عدم الوصول إلى حل في قضية المحكمة قد أدى إلى انقسام سياسي جذري في لبنان. وان مقاربة مسألة المحكمة الدولية لا يمكن أن تتم من خلال عزلها عن تطلعات سوريا بأن لا تكون هذه المحكمة أداة ضد النظام، في الوقت الذي ترى فيه الولايات المتحدة الأميركية أن المحكمة هي بالتحديد وسيلة لعزل سوريا والضغط عليها وزعزعة استقرارها. أما بالنسبة لسعد الحريري والرئيس الفرنسي جاك شيراك فإن المحكمة تشكل وسيلة انتقام من الذين قتلوا الأب والصديق. وباختصار فإن أنصار المحكمة الدولية يتطلعون إلى اعتقال كبار القادة السوريين الأمر الذي تواجهه دمشق برفض قاطع.
وبحسب التقرير «إن الكارثة التي من الممكن أن تقع بلبنان سوف تصيب الكثيرين بأذى في حين أنها لن تجلب المساعدة لأي أحد. وإن استقلال وسيادة لبنان يعدان من الأمور التي يجب النضال من اجلهــــــا والدفاع عنها. ولكن استخدامها منصــــــةً لمجابهة شاملـــــــة مع سوريا يعد سوء تقدير، وان هذا سوف يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في لبنــــــــان في وقت اقرب بكثير من قدرته على زعزعة استقرار سوريا.
على العكس، يجب أن يكون هدف هذه المحكمة عدم تغطية قتلة رفيق الحريري، الحد من التأثير السوري في الشؤون اللبنانية والترويج لاستقرار شامل في المنطقة عبر علاقات سورية أميركية جديدة، والاتجاه نحو حل سلمي للمشاكل السياسيــــــــــــة القائمة».
ويضيف التقرير «إن أي حل دائم يجب أن يؤسس على مجموعة من المعطيات الهامة أولها الحاجة إلى الإجماع، لأن لبنان لا يمكن أن يحكم بدون اتفاق جميع مكوناته السياسية، وعلى جميع الأطراف الخارجيين يجب أن يدركوا انه لا يمكن لأحد من الإطراف الداخلية أن يحقق نصراً كاملاً، وبالتالي عليهم عدم دفع حلفائهم إلى اتخاذ مواقف متشددة والثبات في المواقع المتصلبة. وهذا يعني أن على الولايات المتحدة أن تحجم عن دفع السنيورة إلى تحدي حزب الله بالإضافة إلى القبول بحكومة وحدة وطنية. أما بالنسبة إلى سوريا فعليها الاعتراف بأن غالبية اللبنانيين تدعم المحكمة الدولية.
هواجس المحكمة
كذلك يوصي التقرير بملامسة الهواجس المتعلقة بنزاهة المحكمة الدولية وعدم تسييسها. وذلك يستدعي إطلاق حلقة نقاش من خلال لجنة تشمل أعضاء من المولاة والمعارضة لدراسة تفاصيل مشروع نظام المحكمة الدولية والاستماع إلى ملاحظات مختلف الافرقاء عليه لا سيما ان العديد من المسؤوليين في المعارضة اللبنانية بالإضافة إلى مسؤولين سوريين أبدوا خلال المقابلات اعتراضهم على المادة 3.2 من مشروع نظام المحكمة الدولية التي تنص على انه (في ما يتصل بالرئيس والمرؤوس، يتحمل الرئيس المسؤولية الجنائية عن أي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 من هذا النظام الأساسي، والتي يرتكبها مرؤوسون يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين، نتيجة لعدم سيطرته سيطرة سليمة على هؤلاء المرؤوسين). الأمر الذي يخلق العديد من المخاوف من إمكانية مقاضاة رؤساء ليسوا على علاقة مباشرة مع القتلة، بحسب التقرير. ويشير التقرير إلى أن أعضاءً من فريق 14 آذار «قد ابدوا مرونة تجاه تعديل هذه الفقرة فيما لو نجحت في إنهاء الورطة». أما بخصوص المؤسسات الدستورية والنظام السياسي اللبناني فيوصي التقرير بضرورة «المضي قدماً في تبني مشروع القانون الانتخابي الذي قدمته (لجنة بطرس) إلى الحكومة بتاريخ 1 حزيران 2006 على اعتبار أن أياً من الأطراف اللبنانيين لم يبد اعتراضاً صارماً على مشروع القانون هذا الذي قدمته اللجنة. بالإضافة إلى الحاجة لإصلاح النظام السياسي والأمني والقضائي اللبناني بما يجعله صلباً أمام التدخل الخارجي ولا يعاني العجز والفساد».

خلص التقريـــر الى خطـــة تســـوية مبنية على:
ــ تأليف لجنة مشتركة من الموالاة والمعارضة وقضاة مستقلين لدراسة مسودة نظام المحكمة الدولية مع التركيز على المادة 3.2.
ــ مصادقة البرلمان اللبناني على رزمة موحدة من القوانين والقرارات تشمل مشروع المحكمة الدولية، تأليف حكومة وحدة وطنية على أساس مبادرة عمرو موسى (19 أكثرية، 10 معارضة، ووزير لا يحق له التصويت)، قانون انتخابي جديد، والاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد مع نهاية ولاية الرئيس إميل لحود.

جنبلاط ودعابة مسؤول «حزب الله»

• يشرح التقرير في الهامش رقم 2 «أن استخدام مصطلحي (موالون لسوريا) و(مناهضون لسوريا) أمر حساس نظراً لأن الكثير من الأفرقاء الذين يصنفون اليوم في خانة المناهضين لسوريا كانوا منذ فترة وجيزة موالين لها، إضافة إلى انغماسهم في العديد من صفحات لبنان السوداء. كما أن من التحريف اعتبار الذين يصنفون اليوم في خانة الموالين لسوريا راغبين بعودة الاحتلال السوري إلى لبنان».
• ادعى أحد قادة قوى 14 آذار خلال مقابلة أجراها مع المجموعة أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يسيطر على حوالى 160 ضابطاً في الجيش والقوى الأمنية الأخرى.
• لوحظ أن المقابلات التي أجرتها المجموعة مع قادة حزب الله شملت الشيخ نعيم قاسم، الشيخ نبيل قاووق، غالب أبو زينب، محمود قماطي، نواف الموسوي. إضافة إلى مقابلة مع الدكتور علي فياض والسيد عبد الحليم فضل الله من المركز الاستشاري للدراسات التابع لحزب الله.
• شمل التقرير مقابلات مع: رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري، رئيس تكتل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون، النائب السابق مخايل الضاهر، النائبين مصطفى علوش وسمير فرنجية، أسعد هرموش وإبراهيم المصري من الجماعة الإسلامية، اللواء أشرف ريفي، إضافة إلى إعلاميين وصحافيين وخبراء قانونيين وباحثين وأعضاء من اللجنة المكلفة تحضير مشروع قانون جديد للانتخابات.
• تعمّد التقرير عدم إبراز أسماء المسؤولين السوريين والفرنسيين والأميركيين، رغم استناده إلى العديد من المقابلات التي أجريت معهم. كما تعمد عدم إبراز أسماء عدد من الشخصيات اللبنانية التي أجريت معها مقابلات، فاكتفى في بعض الهوامش بالإشارة إلى «شيخ سني من طرابلس، مستشار للرئيس فؤاد السنيورة، محلل سياسي لبناني متعاطف مع قوى 14 آذار، مراقب و/أو محلل لبناني».
• خلال إحدى المقابلات قال مسؤول في حزب الله: «إن المقاومة الإسلامية صادرت خلال الحرب الأخيرة شحنة أسلحة لمصلحة النائب وليد جنبلاط، وإن الحزب استخدم هذه الشحنة خلال الحرب، الأمر الذي استدعى خروج هذا المسؤول بالدعابة التالية: بالاستناد إلى هذه الحادثة يكون جنبلاط قد شارك في المقاومة».