strong>نادر فوز
عاد سامي، الذي يعدّ نفسه يسارياً، إلى ممارسة حياته اليومية كما لو أنّ الاعتصام من أجل إسقاط الحكومة قد سقط أو لم يكن موجوداً أساساً. قرّر سامي الانسحاب على رغم أنه كان قد شارك في الأيام العشرة الأولى في مخيّم ساحة الشهداء.
انخرط سامي في الاعتصام آملاً أن يستطيع «تحرّك متنوّع يضمّ شريحة من العلمانيين إسقاط الحكومة، وفقاً لمبادئ محاربة الفساد وحماية انتصار المقاومة وإطاحة طبقة حاكمة» أصبحت عاجزة عن تأدية أقلّ واجباتها. لكن أمله خاب عندما اصطدم ببعض الحواجز من شعارات ولافتات وأعلام وخطابات، أعادت إلى ذهنه «تجارب عديدة فشل فيها اليساريون بعدما حصدت الطوائف ثمارها».
«لم أستطع البقاء أكثر في جو كهذا»، قال سامي، إذ إنّ غالبيّة الشبّان الموجودين في «الساحة» نقلت «أجواء تجمعات الشوارع إلى مكان الاعتصام». لا يطرح هذا الموضوع من منطلق طبقي، فهو يعرف أنّ شبان «الطبقات المسحوقة» يشكلون «نبض الشوارع»، ولكن يعتقد بكل بساطة أنه «لا يمكن تحرير الوطن أو إسقاط الحكومة بالنراجيل». ويسأل «أين هي حقوق أبناء هذه الطبقة كمواطنين لا كأبناء طوائف؟»، وما إذا كانت الأطراف المعارضة تختلف عن قوى السلطة في اعتبار «المتظاهرين والمشاركين أرقاماً لا مواطنين»؟
يتحدث سامي عن يوميات «المخيّم»، التي تنشأ خلالها إشكالات عديدة ولأسباب متعددة، انطلاقاً من «تلطيش البنات» و«مُلكية النارجيلة»، وصولاً إلى الشعارات التي تزعج بعض المشاركين.
يعتقد سامي أنّ بدء تصاعد بعض الخطابات ذات اللون الطائفي والمذهبي دفعه إلى الخروج من التحرك. ينتقد صلاة «الجمعة» التي اجتمع فيها الشيعة وراء رجل دين «سنّي» (يعتذر عن هذين اللفظين)، وقداس نهار الأحد الذي أدّاه المسيحيون (يعتذر أيضاً) تعبيراً عن مشاركتهم في الاعتصام. يفكر قليلاً، ينتقي كلماته، «كعلماني، أو حتى كملحد، إلى أي تجمّع من الاثنين يمكنني أن أنضم؟». يصف هذه الأمور «التوحيدية» بالكاذبة، يشبّهها بـ«الوحدة الوطنية الكاذبة» التي روّجت لها قوى 14 آذار، ثم يتساءل «هل الوحدة الوطنية، أي وحدة زعماء الطوائف مطلوبة في الأصل؟»، معتبراً أنها تؤدي إلى «عيش مشترك مزيّف لا يطال عمق الشرائح الشعبية ــ الطائفية» بحيث يبقى العلمانيون في تهميشهم وعزلتهم الدائمين.
ويطرح سامي أمراً آخر يتعلّق بعدم المشاركة الفعّالة والحقيقية لأنصار التيار الوطني الحر. ويعتبر الاعتصام من لون واحد، «فالشيعة لا يلبسون إلا البرتقالي» (يعتذر من جديد). يتساءل أيضاً عن سبب وجود شريط «معنوي» يفصل الساحتين، إذ تبدو ساحة رياض الصلح لحزب الله وأبناء طائفته، وساحة الشهداء «للتيار» والأطراف المسيحية الأخرى. يختصر هذه الحالة بتعليق بسيط «ليس من وحدة فعلية بين أنصار الأطراف المعارضة»، فيقول «حتى إنّ بعضهم قرر استبدال مكان ظهور المهدي المنتظر من الضاحية إلى وسط بيروت».
كل هذه التساؤلات لم تحيّد سامي عن قضية إسقاط حكومة السنيورة، إلا أنها أبعدته عن ساحة «شبيهة بساحة الاستقلال». يعتقد أنّ معظم القوى المعارضة مستعدة للمساومة والتخلي عن قرار إسقاطها في حال تمّ «توزيع المناصب وتقاسم التمثيل في الإدارات العامة والرئاسات». باختصار يتخوّف سامي من أن يتحوّل هذا الاعتصام والمساومة التي ستلحق به إلى «طائف جديد يعيد «تبنيج» لبنان».
سامي ليس إلا واحداً من شبان كثيرين قرروا تلبية دعوة المعارضة إلى النزول إلى الشارع. تجاهلوا دروسهم وأعمالهم وحملوا العلم اللبناني وتوجّهوا إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح حيث مكثوا لأكثر من عشرة أيام، لكنهم ما لبثوا أن عادوا لمتابعة حياتهم الطبيعية. هم شبيهون بكُثُر من الذين شاركوا في مهرجانات قوى 14 آذار وفي «ثورة الأرز»، ثمّ عادوا وتراجعوا بعد أن لاحظوا «الخلل الفاضح» في تركيبتها و«السياسات والتقديرات الخاطئة» لهذه القوى، فانسحبوا من لواء مواطني «الاستقلال الثاني».