جورج شاهين
في معزل عن المواقف العلنية التي أطلقها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قبل مغادرته بيروت وبعدها، إلا أن ما نقل عنه من كلام قاس وراء الكواليس في حق عدد من القادة، موالين ومعارضين، يستحق التسجيل. وهو الذي أجرى اتصالات في اليوم الأخير شملت عدداً كبيراً من القادة، بينهم الرئيس أمين الجميل في لقاء تحوّل «جردة حساب» و«جوجلة للمواقف».
وقد بدا موسى متشائماً ويائساً من إمكان تحقيق أي تقدم بعد ثلاثة أيام مضنية من العمل، أمضى أحدها في دمشق، من دون أن يحقّق ما كان يبغيه من تفاهم على سلّة إجراءات لإنهاء الأزمة. وأبلغ الجميل أن الأفق «بات مسدوداً» بعد إخفاقه في ترتيب لقاء بين الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة لرفضهما الأمر قبل التفاهم على الصفقة الشاملة. وأشار إلى عدم قدرته على فهم خلفيات إصرار البعض على ما بات من «الثوابت غير القابلة للجدل» حتى بات أسيراً لها، «فبين لقاء وآخر تتبدل المواقف، وأُتّهم بأنني لم أفهم عليهم. وهذا أمر خطير في حدّ ذاته، وأعتقد أن مرد ذلك فقدان الثقة بين طرفي الصراع إلى حد كبير بما لا يمكنني من الاستمرار في المهمة التي أقوم بها، لذلك بتّ على قناعة بأن الوضع خطير جداً جداً جداً».
ورأى موسى أن الأمر «بات في حاجة إلى ما هو مفقود حتى اليوم، وهو رجل الدولة، ليكمل ما بدأته، ويكون قادراً على استكمال المهمة، إضافة إلى إثبات قدرته على إدارة الصراع بقوة، وكسر حدة الازدواجية القائمة في السلطة، التي بلغت حدود الانفصام في الشخصية، والخروج من الحلقة المفرغة التي بتنا ندور فيها لاستعادة ما لموسى لموسى وما لقيصر لقيصر». وخاطب الجميل بالقول: «أرى أن لك دوراً في هذا المجال لا بد أن تلعبه، لقد بدأت بذلك، ومن الضروري أن تكمل المهمة لعلك تنجح في إحداث أي خرق في مكان ما. فالعناوين الخلافية باتت معروفة، لكن إمكانات التوافق شبه معدومة في ظل تمسك الأطراف بمواقفها».
ورد الجميل قائلاً: «أتفهم هذا الحجم الكبير من القلق الموجود لديك. هناك أمور تحصل في البلد لا أستطيع تفهمها، وتشغل البال، وتهدد بما لا تحمد عقباه». وأضاف: «الأخطر في ما نشهده أنه لم يعد هناك وسيط، فالبلد بات مفروزاً في شكل خطير، وأعتقد أنه لم تعد تفيد في شيء الوساطات التقليدية. فعلى رغم الدعم الذي لقيته مهمتكم، إلا أنها وصلت إلى النتيجة التي تصفها الآن، ولذلك يمكن أن نعود إلى الطرح الذي تقدمت به بعد اغتيال بيار عندما دعوت إلى تفكيك العقد واحدة بعد أخرى بدلاً من السعي إلى صفقة شاملة، فمن حيث يمكننا أن نخرق، ندخل ونعمل على توسيع قاعدة التفاهمات».
ورأى الجميل أنه في حال تعذّر ذلك «يمكننا العمل، بدعم من الجامعة العربية، وتحت مظلة دولية، على تنظيم مؤتمر وطني شبيه باجتماعات لوزان وجنيف أو الطائف، لأننا نعرف، جميعاً، الأبعاد الدولية للأزمة القائمة، وبات واضحاً أن الأمور ليست بالسهولة التي يعتقدها بعضهم، وأن ما هو مطروح ليس لبّ المشكلة، وإنما هناك أمور لها علاقة بمصير لبنان وبتركيبته وبقضايا وطنية أخرى لا بد من التوقف عندها، والسعي إلى قرارات كبيرة تحمي لبنان مما يتهدد استقلاله ويحفظ نظامه الديموقراطي الحر ومستقبله».